للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: قدمتَ، وإن شئتَ قلتَ: "خيرُ مقدمٍ" فجميع ما يرفع إنما تضمرُ في نفسك ما تظهرُ، وجميع ما ينصبُ إنما تضمر في نفسكَ غير ما تظهرُ [فافْهم هذا, فإنَّ عليه يجري هذا البابُ، ألا ترى أنكَ إذا قلت: خيرَ مقدمٍ فالمعنى: قدمتَ, فقدمتَ فعْلٌ، وخيرَ مقدم اسمٌ, والاسمُ غيرُ الفعلِ فانتصبَ بالفعل, فإذا رفعتَ فكأنَّك قلت: قدومُكَ خيرُ مقدم] ١ فإنما تضمر، قدومك خيرُ مقدمٍ, فقدومكَ "هو خيرُ مقدمٍ"، وخبرُ المبتدأ هو المبتدأُ وإذا قلت: "خير مقدمٍ" فالذي أضمرت "قدمت" وهو فعلٌ وفاعلٌ, والفعل والفاعل غير المفعول, فافهم هذا فإن عليه يجري هذا الباب, ومن هذا الباب قولهم: "ضربت وضربني زيدٌ" تريد: "ضربتُ زيدًا وضربني" إلا أن هذا الباب أضمرت ما عَمِلَ فيه الفعلُ, وذلك أضمرت الفعل نفسهُ, وكذلك كلُّ فعلين يعطفُ أحدهما على الآخر فيكون الفاعل فيهما هو المفعول, فلك أن تضمره مع الفعل وتعمل المجاور له, فتقول على هذا: متى ظننتُ أو قلتُ: زيدٌ منطلقٌ؛ لأنَّ ما بعد القول محكي, وتقول: "متى قلتَ أو ظننتَ زيدًا منطلقًا" فإذا قلت: "ضربني وضربتُ زيدًا" ثنيت فقلت: "ضرباني وضربتُ الزيدينِ" فأضمرت قبل الذكر؛ لأنَّ الفعلَ لا بد لهُ من فاعل, ولولا أنَّ هذا مسموعٌ من العرب لم يجز، وإنما حَسُنَ هذا لأنكَ إذا قلت: ضربتُ وضربني زيدٌ, وضربني وضربتُ زيدًا, فالتأويل: تضاربنا, فكل واحدٍ فاعلٌ مفعولٌ في المعنى فسُومِحَ في اللفظ لذلك. ومن ذلك: "ما منهم يقومُ" فحذفَ المبتدأُ، كأنهُ قال: "أحدٌ منهم يقومُ" ومن ذلك قوله عز وجل: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} ٢, أي: "أَمرى صبرٌ جميلٌ".

الثالث: المضمرُ المتروك إظهارهُ: المستولي على هذا الباب الأمر وما جرى مجراه، وقد يجوز فيه غيره، فمن ذلك ما جرى على الأمر والتحذير, نحو قولهم: "إياكَ" إذا حذرته، والمعنى: "باعدْ إياكَ" ولكن لا يجوز إظهاره،


١ ما بين القوسين زيادة من "ب".
٢ يوسف: ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>