للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلو لم يكن في اللعب فيها مفسدة أصلًا غير أنها ذريعة قريبة الإيصال إلى أكل المال الحرام بالقمار، لكان تحريمها متعينًا في الشريعة، كيف وفي المفاسد الناشئة من مجرد اللعب بها ما يقتضي تحريمها، وكيف يظن بالشريعة أنها تبيح ما يلهي القلب ويشغله أعظم شغل عن مصالح دينه ودنياه، ويورث العداوة والبغضاء بين أربابها، وقليلها يدعو إلى كثيرها، ويفعل بالعقل والفكر كما يفعل المسكر وأعظم؛ ولهذا يصبر صاحبها عاكفًا عليها كعكوف شارب الخمر على خمره أو أشد».

القول الثاني: أنها مكروهة، وهو قول الشافعية (١).

قالوا: يكره؛ لأنه لعب لا ينتفع به في أمر الدين، ولا يحرم؛ لعدم قيام ما يدل على التحريم، ولأن معتمده الحساب الدقيق، والفكر الصحيح، ففيه تصحيح الفكر، ونوع من التدبير للحرب، ومكيدة العدو والاحتيال عليه (٢) ..

القول الثالث: أنها مباحة إذا لم يدمن عليها، وهو قولٌ للمالكية (٣).

ووجه التفريق أن المدمن لا يخلو من الأيمان الحانثة، والاشتغال عن ذكر الله -تعالى- وعن الصلاة (٤).

ولعل الأظهر هو القول الأول؛ لقوة ما استدلوا به، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقلَّ عبدٌ اشتغل بها إلا شغلته عن واجب» (٥).


(١) شرح مسلم للنووي ١٥/ ١٥.
(٢) حاشية البجيرمي ٤/ ٣٧٥، مغني المحتاج ٤/ ٤٢٨، كف الرعاع ص ١٦٣، تكملة المجموع ٢٠/ ٢٢٨، المغني ١٤/ ١٥٥.
(٣) قال ابن عبد البر في التمهيد: ١٣/ ١٨٣: «وتحصيل مذهب مالك، وجمهور الفقهاء في الشطرنج أن من لم يقامر بها، ولعب مع أهله في بيته مستترًا به مرة في الشهر أو العام لا يطلع عليه، ولا يعلم به أنه معفو عنه، غير محرم عليه، ولا مكروه له، وأنه إن تخلع به، واستهتر فيه سقطت مروءته وعدالته، وردت شهادته، وهو يدلك على أنه ليس بمحرم لنفسه وعينه؛ لأنه لو كان كذلك لاستوى قليله وكثيره في تحريمه، وليس بمضطر إليه، ولا مما لا ينفك عنه، فيعفي عن اليسير منه»، وبنحوه في تفسير القرطبي ١٠/ ٤٩٣ - ٤٩٤.
(٤) المنتقى للباجي ٧/ ١٧٩.
(٥) مجموع الفتاوى ٣٢/ ٢١٨.

<<  <   >  >>