قلت: هذه واقعة حضرها الحافظ ابن كثير، وحدد زمانها ومكانها، فتكذيبها، أو التشكيك في صحتها بعيدٌ جدًّا، ومع ذلك أقول بأن الأقرب هو ثباته على القول بالسبق دون محلل؛ لأمور: أن واقعة رجوعه تطرقها الاحتمالات، فقد قال ابن حجر في الدرر الكامنة ٤/ ٢٣: «وجرت له محن مع القضاة منها ... طلبه السبكي بسبب المسابقة بغير محلل، فأنكر عليه وآل الأمر إلى أنه رجع عما كان يفتي به من ذلك». اهـ. فربما كان رجوعه درءًا للفتنة، في قولٍ جماهيرُ أهل العلم على خلافه. أن الناظر في كتاب الفروسية يجد حشدًا عظيمًا من الأدلة النقلية والعقلية على بطلان المحلل، وله كتاب خاصٌّ بهذا الشأن اسمه: «بيان الاستدلال على بطلان اشتراط محلل السباق والنضال» ذكره في إعلام الموقعين ٤/ ٢١، وذكر أنه ذكر في كتابه الكبير: «الفروسية الشرعية» -وهو غير المطبوع- أنه بين بطلان المحلل من أكثر من خمسين وجهًا، فلا يتصور بعد هذا أن يرجع دون أن يبين ذلك صريحًا، فقد عاش بعد هذه الحادثة ما يقارب الخمس سنوات. هذا وقد قال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه: «ابن قيم الجوزية، حياته، آثاره، موارده» ص ٧٠: «وقضية الرجوع محل نظر»، وقال د. رفيق المصري في كتابه «الميسر والقمار» ص ١٣٤: «دعوى رجوع ابن القيم عن رأيه مردودة»، وكذا قال الشيخ مشهور سلمان في مقدمة تحقيقه للفروسية ص ٣٠ - ٣٤، وينظر كتاب: القمار للدكتور سليمان الملحم ص ٣٥٦ - ٣٥٩.