الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة. أقول: وحاصل ما يستفاد من الأدلة أن الكلام منهي عنه حال الخطبة نهيا عاما وقد خصص هذا النهي بما يقع من الكلام في صلاة التحية من قراءة وتسبيح وتشهد ودعاء والأحاديث المخصصة لمثل ما ذكر صحيحة١ فلا محيص لمن دخل المسجد حال الخطبة من صلاة ركعتي التحية إن أراد القيام بهذه السنة المؤكدة والوفاء بما دلت عليه الأدلة فإنه صلى الله عليه وسلم أمر سُليكا الغطفاني لما وصل إلى المسجد حال الخطبة فقعد ولم يصل التحية بأن يقوم فيصلي فدل هذا على كون ذلك من المشروعات المؤكدة بل من الواجبات كما قرره شيخنا العلامة الشوكاني في رسالة مستقلة وبينت أنا في دليل الطالب إلى أرجح المطالب وجوب صلاة التحية ومن جملة مخصصات صلاة التحية حديث: "إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين" وهو حديث صحيح متضمن للنص في محل النزاع, وأما ما عدا صلاة التحية من الأذكار والأدعية والمتابعة للخطيب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأت ما يدل على تخصيصها من ذلك العموم والمتابعة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وأن وردت بها أدلة قاضية بمشروعيتها فهي أعم من أحاديث منع الكلام حال الخطبة من وجه وأخص منها من وجه فيتعارض العمومان وينظر في الراجح منهما, وهذا إذا كان اللغو المذكور في حديث:"ومن لغا فلا جمعة له" يشمل جميع أنواع الكلام, وأما إذا كان مختصا بنوع منه وهو ما لا فائدة فيه فليس فيه ما يدل على منع الذكر والدعاء والمتابعة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم, وأما حديث:"إذا دخل أحدكم المسجد والإمام يخطب فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام" فقد أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر وفي سنده ضعف كما قاله صاحب مجمع الزوائد فلا تقوم به الحجة, ولكنه قد روي ما يقويه فأخرج أبو يعلى والبزار عن جابر قال: قال سعد بن أبي وقاص لرجل لا جمعة لك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لم يا سعد"؟ فقال: لأنه تكلم وأنت تخطب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق سعد" وفي إسناده مجالد بن سعيد وهو ضعيف عند الجمهور, وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وقد ذكر العلامة الشوكاني في شرح المنتقى أحاديث تفيد معنى هذا الحديث فليراجع, ويقويها ما يقال إن المراد باللغو المذكور في الحديث التلفظ وإن
١ ليس هذا تخصيصا بل هذا باب وذاك باب فإن النهي عن الكلام إنما هو نهي عن محادثة غيره لئلا يغلوا وأما الذكر في الصلاة فهو شيء آخر.