للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما يروى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في الصلاة ويتم ويفطر ويصوم. فلم يثبت كما صرح به جماعة من الحفاظ١ وكذلك ما روي عنها أنها فعلت ذلك ولم ينكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة بما تسقط به حجيته, وكذلك ما روي عن أن عثمان أتم الصلاة بمنى فلا حجة في ذلك وقد صح إنكار بعض الصحابة عليه واعتذاره عن ذلك فلم يبق في المقام ما يوجب التردد, والظاهر من الأدلة في القصر والإفطار عدم الفرق بين من سفره في طاعة ومن سفره في معصية لا سيما القصر لأن صلاة المسافر شرعها الله كذلك فكما أن الله شرع للمقيم صلاة التمام من غير فرق بين من كان مطيعا ومن كان عاصيا بلا خلاف كذلك شرع للمسافر ركعتين من غير فرق وأدلة القصر متناولة للعاصي تناولا زائدا على تناول أدلة الإفطار له لأن القصر عزيمة وهي لم تشرع للمطيع دون العاصي بل مشروعة لها جميعا بخلاف الإفطار فإنه رخصة للمسافر والرخصة تكون لهذا دون هذا في الأصل وإن كانت هنا عامة وإنما المراد بطلان القياس والركعتان في السفر تمام غير قصر ومعناه عند الحنفية أنه لا يكون فرض المسافر غير ركعتين وإن صلى أربعا ولم يقعد للتشهد بطلت صلاته وإن قعد أتمها أربعا والأخريان نقل وعند الشافعية أن المسافر إذا قصر في السفر فليس عليه ما تركه إذا صار مقيما بخلاف الصوم فإنه يعيد ما أفطر إذا صار مقيما وإيجاب القصر على من خرج من بلده قاصدا للسفر وإن كان دون بريد وجهه أن الله تعالى قال: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} والضرب في الأرض يصدق على كل ضرب لكنه خرج الضرب أي المشي لغير السفر لما كان يقع منه صلى الله عليه وسلم من الخروج إلى بقيع الغرقد ونحوه ولا يقصر ولم يأت في تعيين قدر السفر الذي يقصر فيه المسافر شيء فوجب الرجوع إلى ما يسمى سفرا لغة وشرعا, ومن خرج من بلده قاصدا إلى محل يعد في مسيره إليه مسافرا قصر الصلاة وإن كان ذلك المحل دون البريد ولم يأت من اعتبر البريد واليوم واليومين


١ المطلع على إسناد الحديث وما قيل فيه لا يجد مناصا من القول بأنه حديث حسن صالح للاحتجاج إن لم يكن صحيحا. انظر نيل الأوطار جزء ٣: ص ٢٤٨- ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>