الخف لأنه جسم صلب لا يتخلل فيه النجاسة والظاهر أنه عام في الرطبة واليابسة فيطهر من النجاسة التي لها جرم بالدلك ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم حدوث الشكوك في الطهارات فيما يأتي من الزمان وأطلعه الله على ما يأتي به المصابون بالوسوسة من التأويلات التي ليس لها في الشريعة أساس أوضح هذا المعنى إيضاحا ينهدم عنده كل ما بنوه على قنطرة الشك والخيال فقال:"إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر نعليه فإن كان فيهما خبث فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما". ولفظ أحمد وأبي داود:"إذا جاء أحدكم إلى المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما" فانظر هذه العبارة الهادمة لكل شك فإنه أولا بين لهم أنهم إذا وجدوا النجاسة في النعلين وجودا محققا فعلوا المسح بالأرض ثم أمرهم بالصلاة في النعلين ليعلموا بأن هذه هي الطهارة التي تجوز الصلاة بعدها ثم ترى أحدهم يلعب به الشيطان حتى يصير ماهو فيه نوعا من الجنون فيغسل يده أو وجهه مرة بعد مرة حتى يبلغ العدد إلى حد يضيق عنه الحصر مع دلك شديد وكلفة عظيمة واستغراق للفكر وهو يعلم بأن ذلك العضو لم تصبه نجاسة مغلظة ولا مخففة فلا يزال في تعب ونصب ومزاولة لا يشك من رآه أنه لم يبق عنده من العقل بقية ثم إذا فرغ من العضو الأول بعد جهد جهيد شرع في العضو الثاني ثم كذلك وكثير منهم من يدخل محل الطهارة قبل طلوع الفجر ولا يخرج إلا بعد طلوع الشمس فما بلغ الشيطان هذا المبلغ من أحد العصاة لأنه عذب نفسه في معصية لا لذة فيها للنفس ولا رفعة للقدر وصار بمجرد مجاوزة الثلاث الغسلات كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمن تجاوزها فقد أساء وتعدى وظلم" فجمع له صلى الله عليه وسلم بين هذه الثلاثة الأنواع ثم لم يقنع منه بهذا حتى صيره تاركا للفريضة التي ليس بين العبد وبين الكفر إلا تركها كما ثبت في الحديث الصحيح عن جابر بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأخرج أهل السنن وأحمد من حديث بريدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" وأخرج الترمذي عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. فانظر