كيف صار هذا الموسوس بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم مسيئا متعديا ظالما كافرا إن بلغ إلى الحد الذي ذكرناه, فهذا باعتبار ما له عند ربه وأما باعتبار ما له عند الخلق فأقل الأحوال أن يقال: مجنون يلعب به الشيطان في مخالفة شريعة الرحمن فخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين, ومع هذا فهو يعذب نفسه بأشد العذاب وكثيرا ما يفضي به ذلك إلى علة كبيرة تكون سببا لهلاكه فيلقى ربه قاتلا لنفسه في معصية فلا يراح رائحة الجنة كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فيمن قبل نفسه وهذه المحنة يقع فيها العالم والجاهل فمن كان جاهلا اعتذر لنفسه بأعذار شيطانية قد استزله الشيطان بها فمنهم من يقول: لم أتيقن كمال الثلاث الغسلات في كل عضو وهو قد غسل ذلك العضو مئات ومنهم من يقول: أريد أن أغسل غسلا مشروعا لا تبقى شعرة ولا بشرة إلا وقد شملها الغسل والدلك فتراه يقلب يديه ورجليه ويدلك كل موضع منه في مقدار الجثة١ دلكا فظيعا فيشرع بالأنملة ثم يدلك جزءا بعد جزء حتى يفرغ من الأصبع ثم يأخذ في الأخرى ثم كذلك فلا يفرغ من غسل يده إلا بعد مدة طويلة ثم يلعب به الشيطان فيشككه فيما قد غسله أنه لم يغسله فيعود إليه ثم كذلك فلا يكمل الثلاث الغسلات في زعمه إلا بعد أن يبلغ بنفسه إلى حد يرحمه من رآه ومن كان عالما يعترف بأن هذا الفعل مخالف للشريعة وأنه وسوسة شيطانية وهو أقبح الرجلين فإنه ممن أضله الله على علم ونادى على نفسه بأنه منقاد لطاعة شيطانه في مخالفة خالقه مستغرق بعبادة عدو الله إبليس لم يبق فيه بقية تزجره عن معصيته فلم يستحي من الله فيحمله الحياء على إيثار الرحمن على الشيطان ولم يستحي من الناس فيردعه حياؤه عن التحدث لعباد الله بأنه قد اشتغل عن ربه بطاعته الشيطان, وفي مثل هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا لم تستح فاصنع ما شئت". والحاصل: أن هذه المحنة قد عمت وطمت عند كل فرد من أفراد العباد منها جزء من الأجزاء وإن قل والكل من طاعة الشيطان ومخالفة الرحمن والناجي من ذلك هو الكبريت الأحمر وعنقاء مغرب والغراب الأبقع ومن أنكر هذا فليجرب نفسه ويعمل بمثل هذا النص الثابت عنه صلى الله عليه وسلم في مسح الأذى الذي يعلق بالنعل في الأرض ثم يصلي فيه وينظر عند ذلك كيف يجد نفسه مع أن ذلك هو المهيع الذي لا يرجح المجتهد سواه إن أنصف من نفسه