لَكُمْ} ففي هذه الآية أعظم متمسك وأوضح مستند ومن زعم أنها في صدقة النفل بدليل السياق فلم يصب لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول. نعم تطبيق الأدلة الواردة منه صلى الله عليه وسلم على من بعده من الأئمة والسلاطين حتى يكون لهم مثل الذي له في أمر الزكاة يحتاج إلى فضل نظر ولا يقنع الناظر بمجرد الإجماع السكوتي الواقع من الناس بعد عصره صلى الله عليه وسلم, وأما قتال الصحابة لمانعي الزكاة فلكونهم ارتدوا بذلك وصمموا على منع إخراجها وقد أمر صلى الله عليه وسلم أمته بقتال الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويفعلوا سائر أركان الإسلام وأعظم ما يُستأنس به ما ورد في طاعة السلاطين وإن ظلموا وأن دفعها إليهم من الطاعة لهم كما في حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليهم وسلم قال:"إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها" قالوا يا رسول الله: فما تأمرنا؟ قال:"تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم" أخرجه الشيخان وغيرهما, وعن وائل بن حُجر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم؟ قال:"اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حُملوا وعليكم ما حُملتم" أخرجه مسلم وغيره وفي الباب أحاديث كثيرة وهي تفيد وجوب طاعتهم فيما طلبوا إذا كان في معروف غير معصية وطلبهم للزكاة من المعروف إذا كانوا يجعلونها في أمر غير معصية الله, والأمر بالطاعة فرع ثبوت الولاية وثبوتها يستلزم الإجزاء, وقد ذهب إلى هذا الجمهور من الصحابة فمن بعدهم ويؤيد ذلك حديث جابر بن عتيك عند أبي داود مرفوعاً بلفظ:"سيأتيكم ركب مبغضون فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم" وأخرج الطبراني من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا: "ادفعوا إليهم ما صلوا الخمس" ويغني عن جميع هذا التكليف بطاعة سلاطين الجور ما أقاموا الصلاة وفي بعض الأحاديث الأمر بالطاعة للظلمة ما لم يظهروا كفرا فمن طلب الزكاة منهم لم تتم الطاعة له التي كلفنا الله بها إلا بالدفع إليه والله أعدل أن يجمع على رب المال في ماله زكاتين زكاة للظالم المأمور بطاعته وزكاة أخرى تصرف إلى غيره.