اللهم إني أحتسب عنك ما أخذ مني" وقد ذهب إلى ما دلت عليه هذه الأدلة الجمهور وأن الدفع إلى السلطان أو بأمره يجزي المالك وإن صرفها في غير مصرفها سواء كان عادلاً أو جائراً. أقول: لا ريب أن مجموع الأدلة يقتضي أن أمره الزكاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} خطاب له إن سُلم أنه في صدقة الفرض وفد تقدم ما فيه وأنص من الآية على المطلوب حديث: "أمرت أن آخذها من أغنيائكم" وأحاديث بعثه صلى الله عليه وسلم للسعاة وأمره لهم بأخذ الصدقات ومن ذلك الأدلة الواردة في الاعتداء بما أخذه سلاطين الجور فإنها متضمنة لوجوب الدفع إليهم والاجتزاء بما دفع إليهم ومن ذلك حديث: "من أعطاها مؤتجرا فله أجره ومن منعها فإنا نأخذها وشطر ماله" ومنها الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب طاعة أولي الأمر ولكن لا يخفى أن مجموع هذه الأدلة وإن أفاد أن للأئمة والسلاطين المطالبة بالزكاة وقبضها, ووجوب الدفع إليهم عند طلبهم لها فليس فيها ما يدل على أن رب المال إذا صرفها في مصرفها قبل أن يطالبه الإمام بتسليمها لا تجزئه ولا يجوز له ذلك لأن الوجوب على أرباب الأموال والوعيد الشديد لهم والترغيب تارة والترهيب أخرى لمن عليه الزكاة إذا لم يخرجها يستفاد من مجموعه أن لهم ولاية الصرف. أما مع عدم الإمام فظاهر وأما مع وجوده من غير طلب منه فكذلك أيضا, ويؤيد ذلك حديث: "أما خالد فقد حبس أدرعه وأعتده في سبيل الله" فإنه صلى الله عليه وسلم أجاب بذلك على من قال له إن خالداً منع من تسليم الزكاة. وأما المطالبة من الإمام فالظاهر أنه لا يجوز لرب المال الصرف لأنه عصيان لمن أمر الله بطاعته ولكن هل يجزئه ذلك أم لا؟ الظاهر الإجزاء لأنه لا ملازمة بين كونه عاصيا لأمر الإمام وبين عدم الإجزاء ومن رغم ذلك طولب بالدليل فإن قيل الدليل ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن منعها فإنا نأخذها وشطر ماله" فيقال: الحديث على ما فيه من المقال لا يصلح للاستدلال به على هذا لأن المراد أنه منع الزكاة ولم يسلمها إلى الإمام ولا صرفها في مصارفها كما هو مدلول المنع الواقع على ضمير الزكاة في الحديث كما في أحاديث الوعيد لمانع الزكاة فإن المراد به المانع لها عن الإخراج مطلقاً ومما يؤيد ثبوت الولاية لرب المال قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْر