مطيقا غير معذور ووجوب الفدية عليه وهو خلاف ما أجمع عليه المسلمون. وأما قول ابن عباس المتقدم فكلام غير مناسب لمعنى الآية لأنها في المطيقين لا فيمن لا يستطيع أن يصوم كما قال وكذلك ما رواه عنه أبو داود أنها أُثبتت للحبلى والمرضع فإنه يدل على أنها منسوخة فيما عداهما فعلى كل حال ليس في الآية دليل على وجوب الإطعام على من ترك الصوم وهو لا يطيقه وهو محل النزاع وإذا لم يوجد دليل في كتاب الله ولا في سنة رسوله فليس في غيرهما أيضا ما يدل على ذلك فالحق عدم وجوب الإطعام, وقد ذهب إليه جماعة من السلف منهم: مالك وأبو ثور وداود وكذا لا فدية على من حال عليه رمضان وعليه رمضان أو بعضه ولم يقضه لأنه لم يثبت في ذلك شيء صح رفعه وغاية ما فيه آثار عن جماعة من الصحابة من أقوالهم وليس بحجة على أحد ولا تعبد الله بها أحدا من عباده والبراءة الأصلية مستصحبة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح, وقد ذهب إلى هذا النخعي وأبو حنيفة وأصحابه, وأما التفريق في قضاء رمضان فقد أخرج الدارقطني من حديث ابن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سئل عن قضاء رمضان فقال:"إن شاء فرقه وإن شاء تابعه" وفي إسناده سفيان بن بشر وقد ضعفه بعضهم, وقال ابن الجوزي ما علمنا أحدا طعن فيه ثم صحح الحديث, ويؤيد ما دل عليه هذا الحديث من التخيير قوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وهذه العدة تصدق على ما كان مجتمعا ومتفرقا لأنه يحصل من كل واحد منهما عدة والبراءة الأصلية قاضية بعدم التعبد بما هو أشق ما يصدق عليه معنى الآية دون ما هو أخف, وأما ما يروى من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال:"من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه" كما أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة ففي إسناده عبد الرحمن بن إبراهيم القاص وقد ضعفه جماعة من الأئمة وقال البيهقي لا يصح وأنكره أبو حاتم على عبد الرحمن, وأما ابن القطان فقال: لم يأت من ضعفه بحجة١ انتهى. ولكنه مع ذلك لا ينتهض للنقل عن مجرد البراءة الأصلية فضلا عما عضدها.
١ قال ابن القطان والحديث حسن وقال ابن حجر قد صرح ابن أبي حاتم عن أبيه أنه أنكر هذا الحديث بعينه على عبد الرحمن نقله الشوكاني جزء ٤ ص ٣١٧ في نيل الأوطار وعبد الرحمن هذا قال أحمد ليس به بأس. قال الذهبي ومن مناكيره عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا: "من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه" أخرجه الدارقطني. اهـ.