ولم يأت ما يدل على أنه يختص بوقت معين, وقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: "فأوف بنذرك" وأما كونه لا يكون إلا في المساجد فلأن ذلك هو معنى الاعتكاف شرعا إذ لا يسمى من اعتكف في غيرها معتكفا شرعا, وقد ورد ما يدل على ذلك كحديث:"لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة" أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من حديث حذيفة. قال في المسوى: الاعتكاف جائز في كل مسجد فإن لم يكن المسجد جامعا فالخروج للجمعة واجب عليه فإذا خرج يبطل اعتكافه عند الشافعي فيحتاج إلى نية جديدة لما يستقبله إن كان تطوعا ولا يبطل عند أبي حنيفة كما لو خرج لقضاء الحاجة. أقول: لا ريب أن مسمى الاعتكاف الشرعي لا يحصل إلا إذا كان في المسجد ولهذا لم تختلف الأمة في اعتبار ذلك إلا ما يروى عن محمد بن عمر بن لبابة المالكي فإنه أجازه في كل مكان, وإنما اختلفوا هل يجزئ الاعتكاف في كل مسجد أم في الثلاثة المساجد فقط أم في المسجد الحرام فقط؟ والظاهر أنه يجزئ في كل مسجد قال تعالى:{وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ولا حجة في قول عائشة ولا في قول حذيفة١ في هذا الباب. "وهو في رمضان آكد سيما في العشر الأواخر منه" أفضل وآكد لكونه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فيها. ولم يرد ما يدل على توقيته بيوم أو أكثر ولا على اشتراط الصيام إلا من قول عائشة وحديث نذر عمر المتقدم يرده, وكذلك حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" أخرجه الدارقطني والحاكم وقال: صحيح الإسناد, ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه.
وبالجملة: فلا حجة إلا في الثابت من قوله صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عنه ما يدل على أنه لا اعتكاف إلا بصوم بل ثبت عنه ما يخالفه في نذر عمر وقد روى أبو داود عن عائشة مرفوعا من حديث: "ولا اعتكاف إلا بصوم" ورواه غيره من قولها ورجح ذلك الحفاظ. أقول: اعلم أن كون الشيء شرطا لشيء آخر أو ركنا له أو فرضا من فروضه لا يثبت إلا بدليل لأنه حكم شرعي
١ قول عائشة سيأتي في الكلام على خروج المعتكف وهو حديث صحيح مرفوع حكما وقول حذيفة سبق قريبا وهو حديث مرفوع أيضا.