للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو وضعي ولم يأت ما يدل على أن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم, بل ثبت الترغيب منه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف ولم ينقل إلينا أنه اعتبر ذلك ولو كان معتبرا لبينه للأمة. وأما اعتكافه صلى الله عليه وسلم في صومه فلا يستلزم أن يكون الاعتكاف كذلك لأنه أمر اتفاقي ولو كان ذلك معتبرا لكان اعتكافه في مسجده معتبرا فلا يصح من أحد الاعتكاف في غيره وأنه باطل. وأما قول عائشة المتقدم فظاهر هذا السياق أن لفظ: "ولا اعتكاف إلا بصوم" ليس من بيان السنة المذكورة في أول كلامها بل ابتداء كلام منها فقد أخرجه النسائي ولم يذكر فيه قولها من السنة وكذلك أخرجه أيضا من حديث مالك وليس فيه ذلك وقال أبو داود: غير عبد الرحمن بن إسحق لا يقول فيه من السنة وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها: "لا يخرج وما عداه ممن دونها" وكذلك رحج ذلك البيهقي كما ذكره ابن كثير في إرشاده ومما يؤيد هذا حديث: "من اعتكف فواق ناقة" وكذلك حديث: "ليس على المعتكف صيام" وفيهما مقال أوضحه الماتن رح في شرح المنتقى, وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف عشرا من شوال ولم ينقل عنه أنه صامها بل روي عنه أنه اعتكف العشر الأول من شوال ولا يخفى أن يوم الفطر من جملتها وليس بيوم صوم فالحق عدم اشتراط الصوم في الاعتكاف لما تقدم ولما ثبت أن عمر: سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال: "أوف بنذرك" وهو متفق عليه, وفي رواية لمسلم: "يوما" مكان: "ليلة" وما في الصحيحين أرجح مما في أحدهما إذا لم يمكن الجمع وقد جمع ابن حبان وغيره بأنه نذر اعتكاف ليلة ويوم وفي رواية أبي داود والنسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اعتكف وصم" ولكن في إسناده عبد الله بن بديل وهو ضعيف, وقد ذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عمرو بن دينار وقال الحافظ في الفتح إن رواية من روى: "يوما" شاذة, وإذا عرفت ما تقدم من عدم انتهاض ما احتجوا به على شرطية الصوم فالحق الحقيق بالقبول أن الاعتكاف يكون ساعة فما فوقها. بل حديث: "من اعتكف فواق ناقة" يدل على أنه يكون أقله لحظة مختطفة وهذا الحديث وإن لم يكن صالحا للاحتجاج به فالأصل عدم التقدير بوقت معين, والدليل على مدعي ذلك ثم كون اليوم الكامل

<<  <  ج: ص:  >  >>