للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجلال في ضوء النهار أن من زعم أن حجه صلى الله عليه وسلم مجمل بين بفعله فقد أسرف في الجهل قال: لأن اسم الحج ومسماه ظاهران, ثم قال: إن تلك التي فعلها صلى الله عليه وسلم إنما هي أفعال وهي لا تدل على الوجوب حتى يعلم أنه فعلها على وجه الوجوب وإلا فالظاهر القربة فقط وهي لا تستلزم الوجوب ولا الشرطية انتهى. ولعله لم يخطر بباله حال تحرير هذا البحث حديث: "خذوا عني مناسككم" وهو حديث صحيح في مسلم وغيره ولا ريب أنه يفيد وجوب مناسك الحج كما قدمنا. يجب على كل مكلف مستطيع لنص الكتاب العزيز: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} وعليه إجماع الأمة. قالوا: الحج فريضة محكمة يكفر جاحدها. وقالوا: الحر المكلف القادر إذا وجد الزاد والراحلة وأمن الطريق يلزمه الحج كذا في المسوى. أقول: حديث تفسيره صلى الله عليه وسلم للسبيل بالزاد والراحلة فيه مقال ولكنه قد روي من طريق جماعة من الصحابة وفي جميع الطرق علل لا تمنع تقوية بعضها لبعض ويشد من عضدها حديث: "من وجد زادا وراحلة" وهو مروي من طريق ثلاثة من الصحابة وفي جميعها مقال. فالحاصل: أن مجموع ما ورد في تفسير السبيل بالزاد والراحلة وترتيب الوجوب عليها ينتهض للاحتجاج به على ذلك فلا وجوب على من لم يجد الراحلة كما أنه لا وجوب على من لم يجد الزاد ولا وجه لقصر السبيل على الزاد والراحلة بل السلامة من المرض والأمن هما من السبيل, وكذلك المحرم للمرأة لدلالة الدليل على ذلك ثم التحقيق أن الشروط تنقسم إلى قسمين: شرط يتعلق بالفاعل وشرط يتعلق بالفعل فالأول يتوقف عليه تعلق الخطاب به والثاني يتوقف عليه كونه مطلوبا من فاعله والأول أيضا هو الذي يقال له شرط الإيجاب وشرط الطلب والثاني: هو الذي يقال له شرط الواجب وشرط المطلوب, وإيضاح هذا أن التكليف والإسلام والحرية شروط متعلقة بالفاعل والزاد والراحلة والأمن والمحرم شروط متعلقة بالفعل, فجعل بعض شروط الفعل للوجوب وبعضها للأداء غير موافق لعقل ولا نقل, وأنت خبير بأن المرأة منهية عن السفر بدون محرم كما ثبت النهي عن ذلك في الصحيح ولم يثبت النهي عن الحج لمن لم يجد الراحلة مثلا بل كان الإيجاب متعلقا بوجودها, وهذا يقتضي أن تحصيل المحرم أهم من تحصيل الراحلة؛ لأن السفر بدون محرم حرام كما يقتضيه النهي يحقيقته وكما يقتضيه لفظ:

<<  <  ج: ص:  >  >>