للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه قال: لو بلغ أبا حنيفة يعني الدليل لقال به وقال القرطبي: راد الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت إليه ومما يدل على صحته ولزومه حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر "أن عمر أصاب أرضا بخيبر فقال: يارسول الله أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني فقال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها" فتصدق بها عمر على أن لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضعيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول "وأخرج النسائي والترمذي وحسنه والبخاري تعليقا من حديث عثمان "أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يتسعذب غير بئر رومة فقال: " من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة" فاشتريتها من صلب مالي "وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما خالد فقد حبس أدراعه وأعتده١ في سبيل الله " "وله أن يجعل غلاتِّه لأي مصرف شاء مما فيه قُربه"لقوله صلى الله عليه وسلم لعمر في الحديث السابق "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها" فإطلاق الصدقة يشعر بأن للواقف أن يتصدق بها كيف شاء فيما فيه قربة وقد فعل عمر ذلك فتصدق بها على الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل كما تقدم. والحاصل: أن الوقف الذي جاءت به الشريعة ورغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله أصحابه هو الذي يُتقرب به إلى الله عز وجل حتى يكون من الصدقة الجارية التي لا ينقطع عن فاعلها ثوابها فلا يصح أن يكون مصرفه غير قربة لأن ذلك خلاف موضوع الوقف المشروع لكن القربة توجد في كل ما أثبت فيه الشرع أجرا لفاعله كائنا ما كان فمن وقف مثلا على إطعام نوع من أنواع الحيوانات المحترمة كان وقفه صحيحا لأنه قد ثبت في السنة الصحيحة "أن في كل كبد رطبة أجرا " ومثل هذا لو وقف على من يخرج القذارة من المسجد أو يرفع ما يؤذي المسلمين في طريقهم كان ذلك وقفا صحيحا


١ الأعتد بضم التاء وبكسرها – جمع للعتاد وهو ما أعده الرجل من السلاح والدواب وآلة الحرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>