قوله تعالى في آخر تلك الآية:{إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} وكذلك قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إلى آخر الآية "فيحرم ما في الكتاب العزيز"وهو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} أي ما مات حتف أنفه {وَالدَّمَ} وهو المسفوح صرح بذلك في الآية الأخرى والمفسر قاض على المبهم وهذا مما ينقض به قول القائل المبهم على إبهامه والمفسر على تفسيره فإنهم اتفقوا في هذه الآية على التقييد {وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} وكل شئ من الخنزيز حرام وتخصيص اللحم بالذكر لأنه يقصد في العادة والخنزير حيوان مسخ بصورته قوم ولم يزل نوح ومن بعده من الأنبياء يحرمون الخنزير ويأمرون بالتبعد عنه إلى تنزل عيسى عليه السلام فيقتله ويشبه أن الخنزير كان يأكله قوم فنطقت الشرائع بالنهي عنه وهجر أمره أشد ما يكون {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} أي ذكر اسم غير الله عند ذبحه {وَالْمُنْخَنِقَةُ} هي التي تختنق فتموت {وَالْمَوْقُوذَةُ} هي المقتولة بالعصا {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} هي التي تتردى من مكان عال فتموت {وَالنَّطِيحَةُ} هي التي تنطحها أخرى فتموت {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} يريد ما بقي مما أكل السبع لأنه ضبط المذبوح الطيب بما قصد إزهاق الروح باستعمال المحدد في حلفه أو لبته فجرّ ذلك إلى تحريم الأشياء {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} أي ما أدركتم من هذه الأشياء وفيه حياة مستقرة فذبحتموه أما ما صار إلى حالة المذبوح فهو في حكم الميتة {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} قيل: مفرد كعنق وقيل: جمع نصاب وهو الشئ المنصوب من حجر ونحوه أمارة للطاغوت والجمع بينه وبين ما أهل لغير الله به يدل على الفرق بينهما وذلك لأن المذبوح عند النصب قصد به تعظيم الطاغوت دلالة وإن لم يتلفظ باسمه فهو بمنزلة ما أهل الغير الله به {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} إلى قوله {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} قلت قد اتفق المسلمون على ذلك في الجملة وإن كان لهم في التفاصيل اختلاف "وكل ذي ناب من السباع"لخروج طبيعتها من الاعتدال وبشكاسة أخلاقها وقسوة قلوبها لحديث أبي ثعلبة الخشني عند مسلم ومالك وغيره "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كل ذي ناب من السباع فأكله حرام" وفي الباب أحاديث في الصحيحين وغيرهما والمراد بالناب السن الذي خلف الرباعية جمعه أنياب وكل ذي ناب يتقوى به ويصاد