للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحكم بما قال إمامه ولا يدري أحق هو أم باطل فهو القاضي للناس على جهل وهو أحد قاضيي النار ومن الأدلة على اشتراط الاجتهاد قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} و {الظَّالِمُونَ} و {الْفَاسِقُونَ} ولا يحكم بما أنزل الله إلا من يعرف التنزيل والتأويل ومما يدل على ذلك حديث معاذ لما بعثه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال له: "بما تقضي" قال: بكتاب الله قال: "فإن لم تجد" قال: فبسنة رسول الله قال: "فإن لم تجد" قال فبرأيي قال الماتن: وهو حديث مشهور قد بينت طرقه ومن خرجه في بحث مستقل ومعلوم أن المقلد لا يعرف كتابا ولا سنة ولا رأي له بل لا يدري بأن الحكم موجود في الكتاب أو السنة فيقضي به أو ليس بموجود فيجتهد برأيه فإذا ادعى المقلد أن حكم برأيه فهو يعلم أنه يكذب على نفسه لاعترافه بأنه لايعرف كتابا ولاسنة فإذا زعم أنه حكم برأيه فقد أقر على نفسه أنه حكم بالطاغوت وللسيد العلامة محمد بن إسمعيل الأمير رسالة مستقلة في تيسير الاجتهاد سماها إرشاد النقاد فليرجع إليها١ أقول الحاصل أن المقلد ليس ممن يعقل حجج الله إذا جاءته فضلا عن أن يعرف الحق من الباطل والصواب من الخطأ والراجح من المرجوح لا ينبغي أن ينسب المقلد إلى العلم مطلقا ولهذا نقل عضد الدين الإجماع على أنه لا يسم المقلد عالما وأما ما صار يستروح إليه من جوز قضاء المقلد من قلة المجتهدين في الأزمنة الأخيرة وأنه لو لم يل القضاء إلا من كان مجتهدا لتعطلت الأحكام فكلام في غاية السقوط فالمجتهدون في كل قطر ولكنهم في زمان غربة فمنهم من يخفي اجتهاده مخافة صولة المقصرين ومنهم من يحتقره المقلدون عن أن يكون مجتهدا لضيق إعطائهم وحقارة عرفانهم وتبلد أذهانهم وجمود قرائحهم وخمود أفكارهم ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهله ولقد عرفت مشايخي الذين أخذت عنهم العلم فأكثرهم مجتهدون وفي مدينة صنعاء من المجتهدين من يستغنى به عن القضاة المقلدين في جميع الأقطار اليمنية مع أنه لا يسلم لهم الاجتهاد إلا من كان مثلهم أو مقاربا لهم وأما أسراء التقليد فهيهات أن يذعن واحد واحد منهم لأحد بالاجتهاد مع أن العلوم المعتبرة في الاجتهاد عند هؤلاء المقلدين هي العلوم الخمسة المذكورة في كتب أصول الفقه وهي بالنسبة إلى ما يحفظ من وصفناه من المجتهدين شيء يسير قال الماتن رحمه الله: ومن غريب ما أحكيه لك أنه لما كثر الخلط من قضاة حضرة الخلافة استأذنت الخليفة


١ وقد وفقنا الله إلي طبعها في مجموعة الرسائل المنبرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>