للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حفظه الله في جمعهم لقصد ترغيبهم في العدل وترهيبهم عن الجور فاجتمع منهم نحو أربعين قاضيا فسألتهم عن شئ مما يتعلق بشروط القضاء المدونة في كتب الفروع فلم يهتد أحد منهم إلى الجواب على وجه الصواب بل اعترفوا جمعيا بالقصور عن فهم دقائق التقليد فضلا عن معرفة علوم الاجتهاد أو بعضها وليت أنهم إذا قصروا لم يقصروا في الورع فإن الورع يردع صاحبه عن المجازفة ويرشده إلى أن شفاء العي السؤال ويكفه عن التسلق لأموال المسلمين ويرده عن التسرع إليها بأدنى شبهة ولعمري أن القاضي إذا جمع بين الجهل وعدم الورع أشد على عباد الله من الشيطان لأنه يقضي بين الناس بالطاغوت موهما لهم أنه إنما يقضي بينهم بالشريعة المطهرة ثم ينصب الجبائل لاقتناص أموالهم ويأكلها بالباطل ولا سيما أموال اليتامى والنساء اللهم أصلح عبادك وتداركهم من كل ما لا يرضيك انتهى فإن قلت حديث أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعث عليا إلى اليمن قاضيا فقال يا رسول الله: بعثتني بينهم وأنا شاب لا أدري ما القضاء قال: فضرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في صدري وقال: اللهم اهده وثبت لسانه قال علي فوالذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين" أخرجه أهل السنن وغيرهم هل يدل على جواز قضاء من ليس بمجتهد لقوله "أنا شاب ولا أدي ما القضاء" قلت من تمسك بهذا فليأتنا برجل يدعو للقاضي الذي لا علم له بالقضاء بمثل هذه الدعوة النبوية حتى لا يشك بعدها كما لم يشك علي كرم الله وجهه بعد تلك الدعوة فإذا فعل هذا لنحن لا نخالفه والكلام على هذه المسألة يحتمل البسط وقد قضينا عنها الوطر في كتابنا ظفر اللاضي بما يجب في القضاء على القاضي فليراجع فإن فيه ما يشفي العليل ويهد إلى سواء السبيل "متورِّعاً عن أموال الناس عادلا في القضية حاكما بالسوية" لكون من لم يتورع عن أموال الناس لا يتورع عن الرشوة وهي تحول بينه وبين الحق كما سيأتي وهكذا من لم يكن عادلا لجرأة فيه أو مداهنة أو محاباة فهو يترك الحق وهو يعلم به فهو أحد قضاة النار لأنه عرف الحق وجار في الحكم قال في الحجة البالغة: أقول لا يستوجب القضاء إلا من كان عدلا بريئا من الجور والميل وقد عرف منه ذلك وعالما يعرف الحق لا سيما في مسائل القضاء والسر في ذلك واضح فإنه لا يتصور وجود المصلحة المقصودة إلا بها أقول: وأما توليه القضاء من جهة

<<  <  ج: ص:  >  >>