الظلمة فالسلطان الذي أوجب الله طاعته في كتابه العزيز وتوافرت الأحاديث الصحيحة بذلك هو من كان مسلما لم يفعل ما يوجب كفرا بواحا١ وكان مقيما لأعظم أركان الإسلام وأجل شعائره وهو الصلاة فهذا هو السلطان الذي تجب على الناس طاعته وامتثال أوامره ويحرم عليهم أن ينزعوا أيديهم في طاعته ولكن بشرط أن لا يكون ما يأمر به معصية لما ثبت "أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وأن الطاعة في المعروف فإذا أمر بما هو من الطاعة وجب الامتثال وأمره للعالم بأن يكون قاضيا هو أمر بطاعة يجب امتثاله بنص الكتاب والسنة ولا يقدح في ذلك كونه مرتكبا لشئ مما لا يحل له أو يظلم الرعية في بعض ما لا يحل له فإن ذلك أمر آخر لا يوجب سقوط طاعته ونعم القدوة السلف الصالح فقد كانوا يعملون لسلاطين بني أمية الأعمال ويلون لهم القضاء مع كونهم في العلم والعمل بمكان لا يجهله أحد وسلاطين تلك الأزمنة فيهم من يستحل الدماء بغير حقها والأموال بدون حلها نعم القضاء قد ورد فيه ما يدل على الترغيب تارة والترهيب أخرى بل ورد في الإمارة التي هي أعم من القضاء ما يشعر بأن تجنبها أولى والجمع بين الأحاديث فيما يظهر لي يرجع إلى الأشخاص فمن علم من نفسه القيام بالحق والصدع به وعدم الضعف في الأمر وقوة الصلابة في القضاء والعفة عن الأموال والتسوية بين القوي والضعيف فالدخول في القضاء أولى له إن لم يكن واجبا عليه بشرط أن يكون في العلم على الصفة التي قدمنا ذكرها ومن كان يضعف عن هذه الأوصاف فالترك أولى به وقد يجب عليه الترك ومما يرشد إلى هذا قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لأبي ذر: "إني أراك ضعيفا" ثم أرشده إلى عدم الدخول في الإمارة كما ثبت ذلك في الحديث المشهور وقد أوضحت المقام في رسالتي في القضاء وبسطت المقال على مسائل الإمامة في كتابي إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة وهما هما في هذين البابين والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وهو المستعان وبه التوفيق
ويحرم عليه الحرص على القضاء وطلبه لحديث عبد الرحمن بن سمرة في الصحيحين وغيرهما قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها" وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي
١ بفتح الباء والواو أي جهارا من باح بالشئ إذا أعلنه.