وحسنه من حديث أنس قال:"قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: من سأل القضاء وكل إلى نفسه ومن جبر عليه ينزل عليه ملك يسدده " وأخرج البخاري وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة" ولا ينافي هذه الأحاديث ما أخرجه أبو داود بإسناد لا مطعن فيه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة ومن غلب جوره عدله فله النار" لأن إثم الطلب قد لزمه بالطلب وحصل له الثواب بعد ذلك بالعدل الغالب على الجور قال الماتن في نيل الأوطار: وقد كثر التتابع من الجهلة في هذا المنصب الشريف واشتروه بالأموال ممن هو أجهل منهم حتى عمت البلوى بهم جميع الأقطار اليمنية اهـ قلت: ومثل ذلك وقع في الحرمين الشريفين من جهة الترك فإنا لله وإنا إليه راجعون "ولا يحل للإمام تولية من كان كذلك" أي حريصا على القضاء أو طالبا له لحديث أبي موسى في الصحيحين قال: "دخلت على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال: أحدهما يارسول الله أمِّرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل وقال الآخر مثل ذلك فقال: "إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا يسأله أو أحدا يحرص عليه" والسر فيه أن الطالب لا يخلو غالبا من داعية نفسانية من مال أو جاه أو التمكن من انتقام عدو ونحو ذلك فلا يتحقق منه خلوص النية الذي هو سبب نزول البركات. أقول: وأما أخذ الرزق على القضاء فمال الله موضوع لمصالح المسلمين ولهذا قيل له بيت مال المسلمين ومن أعظم مصالح دينهم ودنياهم القاضي العادل في أحكامه العارف من الشريعة المطهرة بما يحتاج إليه في حله وإبرامه بل ذلك هو المصلحة التي لا توازنها مصلحة لأنه يرشدهم إلى مناهج الشرع ويفصل خصوماتهم بأحكام الله فهو المحتمل لأعباء الدين المترجم عنه لمن يحتاج إليه من المسلمين فرزقه من بيت المال من أهم الأمور ولا سيما إذا استغرق أوقاته في فصل خصوماتهم فقد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدون ومن بعدهم من السلف الصالح يقسمون أموال الله بين المسلمين