ويجعلون للعلماء نصيبا موفرا فالقاضي إذا كان متورعا عن أموال العباد قائما بمصالح الحاضر منهم والباد فقد استحق ما يكفيه من بيت المال من جهات منها كونه من المسلمين ومنها كونه عالما ومنها كونه قاضيا وأما ما اعتاده جماعة من القضاة من أخذ الأجرة من الخصوم على الرقوم فمن كان مكفيا من بيت مال المسلمين لا يحل له ذلك لأنه قد قبض أجرته من بيت المال وإن أظهر من يأتيه أن نفسه طيبة به فالذي أوجب طيبها كونه قاضيا وكون الأعراف قد جرت بمثل ذلك وإلا فهو لا يسمح له بماله لو لم يكن كذلك وهذا مما لا شك فيه ولا شبهة وأما إذا لم يكن مكفيا من بيت المال فشرط الحل أن يأخذ مقدار أجرته بطيبة من نفس من يقصده ويكون كالأجير له حكمه لكونه غير مؤجر من بيت مال المسلمين "ومن كان متأهِّلاً للقضاء فهو على خطر عظيم" لحديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي والحاكم والبيهقي والدارقطني وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين" قال في الحجة البالغة: هذا بيان أن القضاء حمل ثقيل وأن الإقدام عليه مظنة للهلاك إلا أن يشاء الله انتهى وأخرج أحمد وابن ماجه والبيهقي من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "ما من حكم يحكم بين الناس إلا حبس يوم القيام وملك آخذ بقفاه حتى يقف به على جهنم ثم يرفع رأسه إلى الله عز وجل فإن قال ألقه ألقاه في مهوي فهوى أربعين خريفا" وفي إسناده عثمان بن محمد الأخنسي وفيه مقال١ وأخرج ابن ماجه والترمذي وحسنه والحاكم في المستدرك وابن حبان من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار وكله إلى نفسه" وفي لفظ الترمذي: "فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان" وفي الباب أحاديث مشتملة على الترهيب وأحاديث مشتملة على الترغيب وقد استوفاها الماتن في شرح المنتقى "وله مع الإصابة أجران ومع الخطأ أجر إن لم يأل جهدا في البحث" يعني بذل طاقته في اتباع الدليل وذلك لأن التكليف بقدر الوسع وإنما وسع الإنسان أن يجتهد وليس في وسعه أن يصيب الحق البتة ودليله حديث عمرو بن العاصي الثابت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم "إذا اجتهد الحاكم فأصاب"