حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته فنادى يا كعب فقال: لبيك يارسول الله قال: ضع من دينك هذا وأومأ إليه أي الشطر قال: قد فعلت يا رسول الله قال: قم فاقضه " وهذا الحديث فيه دليل على ما ذكرناه من الشفاعة والاستيضاع والإرشاد إلى الصلح لأنه شفاعة بمن عليه الدين باستيضاع من له الدين بعضه وفيه إرشاد إلى الصلح أيضا وقد سبق في كتاب الصلح ما يدل على مشروعيته من الكتاب والسنة والقاضي داخل في عموم الأدلة "وحكمه ينفذ ظاهرا فقط" لحديث أم سلمة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي بنحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ فإنما أقطع له قطعة من النار" وقد حكى الشافعي الإجماع على أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام قال النووي: والقول أن حكم الحاكم يحلل ظاهرا وباطنا مخالف لهذا الحديث الصحيح وللإجماع المذكور وبالجملة فلا وجه لما ذهبت إليه الحنفية من أن حكم الحاكم ينفذ ظاهرا وباطنا ويحلل الحرام وقد جاؤا في هذا المقام بما لا يتفق على من له في العلم قدم وتفصيل ذلك في نيل الأوطار ومسك الختام واللحن مفتوحة الحاء الفطنة يقال: لحنت للشئ بكسر الحاء ألحن له لحنا أي فطنت وأما اللحن بسكون الحاء فهو الخطأ قال في المسوى: اتفق أهل العلم على أن القضاء في الدماء والأملاك المطلقة لا ينفذ إلا ظاهرا واختلفوا في العقود والفسوخ فذهب أبو حنيفة إلى أنه ينفذ القضاء فيها ظاهرا وباطنا حتى لو شهد شاهدان زورا أن فلانا طلق امرأته فقضى به القاضي وقعت الفرقة بينهما بقضائه ويجوز لكل من الشاهدين أن ينكحها وقال الشافعي لا ينفذ باطنا وأما المسائل المختلف فيها مثل أن يقضي حنفي بشعفة الجار لرجل لا يعتقد ثبوتها أو مات رجل عن جد وأخ فقضى القاضي بالميراث للجد على مذهب الصديق رضي الله تعالى عنه والمحكوم له يرى رأي زيد أو مات رجل عن خال لا يرى توريث ذوي الأرحام فقضى له القاضي بالمال فأكثر أصحاب الشافعي على أنه ينفذ ظاهرا وباطنا لأنه أمر مجتهد فيه لا يتصور ظهور الخطأ