{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو عامل على الكوفة أن اقض باليمين مع الشاهد وإن أبا سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار سئلا هل يقضى باليمين مع الشاهد فقالا نعم. والحاصل أن شهود الزنا أربعة وشهود سائر الحقوق اثنان وشهود الأموال رجلان أو رجل وامرأتان فإن لم يتيسر قضي بيمين المدعي مع الشاهد الواحد
أقول: الحق أن الحكم بالشاهد العدل واليمين واجب وقد ثبت ذلك في السنة ثبوتا لا ينكره إلا من لا يعرف السنة وجملة من رواه من الصحابة زيادة على عشرين رجلا وللمانعين من ذلك أجوبة خارجة عن الإنصاف وأشف ما تمسكوا به أن الله تعالى أمر بإشهاد رجلين وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "شاهداك أو يمينه " ولا يخفاك أنه ليس في ذلك ما يفيد الحصر بل غاية ما فيه أن مفهومه يدل على عدم قبول الشاهد الواحد مع اليمين ولا حكم لهذا المفهوم مع وجود المنطوق وهو القضاء بالشاهد واليمين مع أن هذا المفهوم هو مفهوم لقب وهو مما لا يعمل به نحارير الأصول كما ذلك معروف وقد استوفى الماتن حجج الجميع في شرح المنتقى فليرجع إليه "و" يجوز الحكم "بيمين المنكر" لما قدمنا من أن اليمين على المنكر وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث وائل بن حُجر أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال للكندي: "ألك بينة" قال: لا قال: "فلك يمينه" فقال: يا رسول الله الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع من شئ فقال "ليس لك منه إلا ذلك""ويجوز الحكم بيمين الرد" لأن من عليه الحق قد رضي بها سواء قلنا إنها تجب على المدعي عند ردها من المنكر أم لا وقد استدل من لم يجعلها مستندا بمفهوم الحصر في قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن اليمين على المدعي عليه" كما في بعض ألفاظ حديث ابن عباس عند مسلم وغيره ولقوله في حديث وائل: "ليس لك منه إلا ذلك"ولكن هذا إنما يفيد أنها لا تجب على المدعي إذا ردها المنكر وأما أنه يفيد عدم جواز الحكم بيمين الرد إذا طلبها المنكر ورضي بها وقبل ذلك المدعي فحلف فلا وأما ما رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق"