فلو صح لكان صالحا لتخصيص ما تقدم ولكن في إسناده محمد بن مسروق وهو غير معروف وفي إسناده أيضا اسحق بن الفرات وفيه مقال وقد أشار القرآن الكريم إلى رد اليمين بقوله:{أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} ولكن فيه احتمال إذ يمكن أن يكون المراد برد اليمين عدم قبولها وأما النكول فلا يجوز الحكم به لأن غاية ما فيه أن من عليه اليمين بحكم الشرع لم يقبلها ويفعلها وعدم فعله لها ليس بإقرار بالحق بل ترك لما جعله الشارع عليه بقوله "ولكن اليمين على المدعى عليه" فعلى القاضي أن يلزمه بعد النكول عن اليمين بأحد الأمرين: إما اليمين التي نكل عنها أو الإقرار بما ادعاه المدعي وأيهما وقع كان صالحا للحكم به كما مر "و" يجوز الحكم "بعلمه" لأن ذلك من العدل والحق اللذين أمر الله بالحكم بهما وليس في الأدلة ما يدل على المنع من ذلك وحديث "شاهداك أو يمينه" لا حصر فيه ومما يؤيده جواز الحكم بعلم الحاكم ما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم للمدعي "ألك بينة" فإن البينة ما يتبين به الأمر وليس بعد العلم بيان بل هو أعلى أنواع البيان فإنه لا يحصل من سائر المستندات للحكم به إلا مجرد الظن بأن المقر صادق في إقراره والحالف بار في يمينه والشاهد صادق في شهادته وإذا جاز الحكم بمستند لا يفيد إلا الظن فكيف لا يجوز الحكم بالعلم واليقين وفي هذه المسألة مذاهب مختلفة وقد احتج أهل كل مذهب بحجج لا تصلح ولا تنطبق على محل النزاع وأقربها ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من حديث أبي هريرة قال: جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للمدعي: "أقم البينة" فلم يقمها فقال للآخر: "احلف" فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ماله عنده شئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد فعلت ولكن غفر لك بإخلاص لا إله إلا الله" وفي رواية الحاكم "بل هو عندك ادفع إليه حقه" وأما أقوال الصحابة فلا تقوم بها الحجة إلا إذا أجمعوا على ذلك عند من يقول بحجية الإجماع أقول: حكم القاضي بعلمه هذا هو الحق ومن منع من ذلك لم يأت بحجة واضحة وليس في الأدلة المقتضية لوجوب الشاهدين أو اليمين أو ما يقوم مقام أحدهما دليل يدل على انحصار مستند الحكم فيها ولا ريب أن الحاصل عن مثل الشهادة من عدلين أو يمين من ثقة أو نكول أو إقرار هو مجرد الظن للحاكم فقط لأن من الجائز أن يكذب الشاهدان ويفجر الحالف في يمينه