ولا وجه للتفصيل الذي ذكروه بين ما يتعلق بالمال ابتداء وما يتعلق به انتهاء فإن ذلك لا تأثير له أصلا فالحاصل: أن الميت إذا مات وجب إخراج ما قد وجب عليه من حقوق الله وحقوق الآدميين من رأس تركته ثم ينظر فيما بقي فإن كان الميت قد أوصى بقرب لم يتقدم لها وجوب عليه بل أراد التقرب بها وجب إخراجها من ثلث الباقي لأن الله سبحانه قد أذن له أن يتصرف بثلث ماله كيف شاء بشرط عدم الضرار كتفضيل بعض الورثة على بعض أو إخراج المال عنه لا لمقصد ديني بل لمجرد إحرامهم ثم ينظر في تلك القرب التي جعلها الميت لنفسه عند الموت فإن استغرقت ثلث الباقي من دون زيادة ولا نقصان فإنفاذها واجب وإن زادت لم ينفذ الزائد إلا بإذن من الورثة فإذا أذنوا فقد رضوا على أنفسهم بخروج جزء مما يملكونه سواء كان قليلا أو كثيرا وإن نقصت عن استغراق الثلث كان الفاضل من الثلث للورثة فهذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه وأما جعل بعض حقوق الله الواجبة من الثلث وبعضها من رأس المال فلا أصل لذلك إلى مجرد خيالات مختلة ثم اعلم أن الظاهر عندي أنه لا فرق بين حقوق الله الواجبة وحقوق الآدميين في مخرجها من التركة وأنه لا يجب تقديم حقوق الآدمي على حقوق الله بل جميعها مستوية في ذلك لأنها قد اشتركت في وجوبها على الميت ولا فرق بين واجب وواجب ومن زعم أن بعضها أقدم من بعض فعليه الدليل على أنه لو قال قائل: إن حقوق الله أقدم من حقوق بني آدم مستدلا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم "فدين الله أحق أن يقضى" لم يكن بعيدا من الصواب لولا أن المراد بقوله: "يقضى" أي يفعله الفاعل كالقريب يحج عن قريبه ويصوم عنه لا أن المراد أنه يدفع المال ليفعل ذلك فاعل آخر فإن ذلك يحتاج إلى دليل يدل على أنه يصح فضلا عن أنه يجب "ويجب تقدم قضاء الديون" لحديث سعد الأطول١ عند أحمد وابن ماجه بإسناد رجاله ورجال الصحيح "أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم وترك عيالا قال: فأردت
١ كذا بالأصل تبعا للشوكاني والصواب: "سعد بن الأطول"كما في جميع كتب التراجم وفي النسخة صحيحة مخطوطة عتيقة من المنتقى وكذا في مسند أحمد "ج ٤ ص ١٣٦ وج ٥ ص ٧" وفي طبقات ابن سعد "ج ٧ قسم ١ ص ٣٩".