"ولا فرق بين قليل وكثير" هذه المسألة الرابعة من مسائل الباب, والمراد بالقلة والكثرة ما وقع من الاختلاف في ذلك بين أهل العلم بعد إجماعهم على أن ما غيّرت النجاسة أحد أوصافه الثلاثة ليس بطاهر فقيل: إن الكثير ما بلغ قلتين والقليل ما كان دونهما لما أخرجه أحمد وأهل السنن والشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي وصححه الحاكم على شرط الشيخين من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُسأل عن الماء يكون في الفلاة١ من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب فقال: "إذا كان الماء قُلَّتين لم يحمل الخبث" وفي لفظ أحمد: "لم ينجسه شيء" وفي لفظ لأبي داود: "لم ينجس" وأخرجه بهذا اللفظ ابن حبان والحاكم وقال ابن مندة: إسناد حديث القُلّتين على شرط مسلم. انتهى. ولكنه حديث قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه كما هو مبين في مواطنه وقد أجاب من أجاب عن دعوى الاضطراب, وقد دلّ هذا الحديث على أن الماء إذا بلغ قُلّتين لم يحمل الخبث وإذا كان دون القُلّتين فقد يحمل الخبث ولكنه كما قيد حديث:"الماء طهور لا ينجسه شيء" بتلك الزيادة التي وقع الإجماع عليها كذلك يقيد حديث القلتين بها فيقال: إنه لا يحمل الخبث إذا بلغ قلتين في حال من الأحوال إلا في حال تغير بعض أوصافه بالنجاسة فإنه حينئذ قد حمل الخبث بالمشاهدة وضرورة الحس فلا منافاة بين حديث القلتين وبين تلك الزيادة المجمع عليها, وأما ما كان دون القلتين فهو مظنة لحمل الخبث وليس فيه أنه يحمل الخبث قطعاً وبتّاً ولا أن ما يحمله من الخبث يخرجه عن الطهورية لأن الخبث المخرج عن الطهورية هو خبث خاص وهو الموجب لتغير أحد أوصافه أو كلها لا الخبث الذي لم يغير, وحاصله: أن ما دل عليه مفهوم حديث القلتين من أن ما دونهما قد يحمل الخبث لا يُستفاد منه إلا أن ذلك المقدار إذا وقعت فيه نجاسة قد يحملها, وأما أنه يصير نجساً خارجاً عن كونه طاهراً فليس في هذا المفهوم ما يفيد ذلك ولا ملازمة بين حمل الخبث والنجاسة المخرجة عن الطهورية؛ لأن الشارع قد نفى