فخلال عقود طويلة قامت الحكومات المتعاقبة في بعض الدول العربية بفرض أسعار ثابتة على المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية، بل وشاركت الدولة في عملية تسويق المنتجات الزراعية والغذائية وكانت المحصلة سلبية تماما للمنتج والمستهلك. فالمنتج يرفض هذه الأسعار التي تتيح له هامشا ضيقا للربح مما يجعله يتجه نحو محاصيل أخرى بعيدة عن رقابة الدولة. والمستهلك لم يكن راضيا عن انخفاض جودة الأغذية التي تباع له، ولا عن اختفائها أحيانا من الأسواق، ولا عن إرغامه على دفع مبالغ إضافية تزيد كثيرا عن الأسعار الرسمية إذا ما أراد الحصول على منتجات غذائية ذات جودة عالية.
وقد قامت بعض الحكومات بتحرير الاقتصاد واتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي وتخلت عن سياسة تسعير المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية، وأعطت الفرصة كاملة للمنتج لاختيار وتسويق منتجاته. وكانت النتيجة أنه في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية دوليا كانت الأسواق المحلية تنعم بوفرة هائلة في العديد من المنتجات الغذائية والخضراوات والفواكه، مع انخفاض كبير في أسعارها، بل وقام الكثير من المنتجين بتصدير الأغذية إلى الخارج، مما ساعد على إدخال المزيد من العملات الصعبة إلى شرايين الاقتصاد المحلي.
يجب أن تهدف سياسة تسعير المواد الغذائية على المدى البعيد والدائم إلى:
أ- زيادة الإنتاج الزراعي سواء من خلال زيادة الرقعة الزراعية أو زيادة إنتاجية الغذاء مع العمل على تجنب حدوث ثغرات زمنية في إنتاج بعض المواد الغذائية.
ب- العمل على تنشيط النمو الاقتصادي للمجتمع من خلال سلسلة متوازنة من الأنشطة الاقتصادية التي تعمل على رفع مستوى دخل الفرد والأسرة، مع التركيز بصفة خاصة على إعادة توزيع الدخل ورفع الحد الأدنى لأجور فئات المجتمع الأكثر عرضة لسوء التغذية نتيجة لانخفاض القدرة الشرائية.
ج- تحقيق الأمن الغذائي للمجتمع في مواجهة المتغيرات الاقتصادية والسياسية الدولية مع العمل على تثبيت الأسعار في إطار مصلحة المستهلك والمنتج، حتى لا تنخفض الأسعار بدرجة تؤثر على إنتاج المواد الغذائية.
د- العمل على تحقيق الثبات السياسي، ومنع الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي قد تؤدي إلى مواجهات أو صراعات قبلية أو حروب أهلية تؤدي إلى انخفاض إنتاج الغذاء بشكل كبير.