وبعد تقدم البحث العلمي الذي نشط في أوروبا -في العصور الوسطى- بدأ البيولوجيون والكيميائيون وعلماء التشريح يدركون أهمية الغذاء، وأن نقصه عن حاجة الجسم يؤدي إلى الضعف، وأن انعدامه يؤدي إلى زوال الحياة. وفيما يلي سرد مختصر لنشوء علم التغذية بصورته الحديثة، وجهود أشهر العلماء الذين أسهموا في تكوينه وتقدمه وازدهاره.
القرن السادس عشر. بين سنكتوريوس sanctorius ١٥٦١-١٦٣٦ في إيطاليا بأن الجسم ينقص وزنه إذا لم يحصل على غذاء كاف، واستنتج ذلك بوزن جسمه طوال فترة حياته. كما تمكن فان هلمونت Van Helmont ١٥٧٧-١٦٤٤ من معرفة صفات ثاني أكسيد الكربون "هواء الزفير".
القرن السابع عشر. لاحظ جون مايو John Mayo ١٦٤٣-١٦٩٧ بأنه إذا وضع شمعة تحت ناقوس، فإنها تشتعل مدة أطول من المدة التي تشتعل فيها لو وضع حيوانًا معها، ووجد أن الحيوان يعيش مدة أطول لو وضع تحت الناقوس بدون وجود شمعة فيه. وقد انتهى إلى الاستنتاج بأن تنفس الهواء يؤدي إلى تحول الدم الوريدي إلى دم شرياني. وفي هذه الحقبة بدأ اهتمام العلماء بحل لغز الهواء.
القرن الثامن عشر. اكتشف جوزيف بلاك J. Black ١٧٢٨- ١٧٩٩ غاز ثاني أكسيد الكربون وأسماه "الهواء الثابت" fixed air، إذ لاحظ تعكر ماء الكلس عند التنفس فيه، وتعكره كذلك عند سكبه في ناقوس تحته شمعة تحترق. وانتهى إلى الاستنتاج بأن جميع الحيوانات تطرد "الهواء الثابت". كما أطلق كافندش ١٧٣١-١٨١٠ Cavendish اسم "الهواء المحترق" على الهيدروجين، وسمى رذرفورد Rutherford النيتروجين "الهواء المتبقي".
واكتشف بريستلي priestly ١٧٣٣-١٨٠٤ من إنجلترا، وشيل Sheele ١٧٤٢-١٧٨٦ من السويد كل منهما على حدة، الأكسجين، وأطلقا عليه اسم "هواء النار"، وأظهر بريستلي أن الحيوانات تستنفد أكسجين الهواء، الذي يمكن استرداده عند إدخال نبات إلى هواء الناقوس الذي نفد أكسجينه.
وقد استعان لافوازييه Lavoisier ١٧٤٣-١٧٩٤ من فرنسا بأعمال من سبقوه لتفسير ظاهرة التنفس، وتوصل إلى معرفة تركيب الهواء من غازات الأزوت والأكسجين، وأن الأكسجين يفقد بالتنفس. وأوضح أن استهلاك الأكسجين في جسم الحيوان يؤدي إلى حرق وأكسدة الأطعمة؛ مما ينتج عنه الحرارة وثاني أكسيد