للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْلَمُ - أَنَّ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ أَصْلُ حَرَكَةِ الْقَلْبِ، وَبَذْلُ الْمَالِ وَمَنْعُهُ هُوَ كَمَالُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَالَ آخِرُ الْمُتَعَلِّقَاتِ بِالنَّفْسِ، وَالْبَدَنُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْمَالِ، فَمَنْ كَانَ أَوَّلُ أَمْرِهِ وَآخِرُهُ كُلُّهُ لِلَّهِ، كَانَ اللَّهُ إِلَهَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الشِّرْكِ، وَهُوَ إِرَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ وَقَصْدُهُ وَرَجَاؤُهُ، فَيَكُونُ مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى قُوَّةِ الْإِيمَانِ وَضَعْفِهِ بِحَسَبَ الْعَمَلِ.

وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَأْنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: " وَحُبُّهُمْ دِينٌ وَإِيمَانٌ وَإِحْسَانٌ، وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَطُغْيَانٌ ". فَسَمَّى حُبَّ الصَّحَابَةِ إِيمَانًا، وَبُغْضَهُمْ كُفْرًا.

وَمَا أَعْجَبَ مَا أَجَابَ بِهِ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِحَدِيثِ شُعَبِ الْإِيمَانِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ: أَنَّ الرَّاوِيَ قَالَ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، فَقَدْ شَهِدَ الرَّاوِي بِغَفْلَةِ نَفْسِهِ حَيْثُ شَكَّ فَقَالَ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، وَلَا يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ! وَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ.

فَطَعَنَ فِيهِ بِغَفْلَةِ الرَّاوِي وَمُخَالَفَتِهِ الْكِتَابَ. فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الطَّعْنِ مَا أَعْجَبَهُ! فَإِنَّ تَرَدُّدَ الرَّاوِي بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ ضَبْطِهِ، مَعَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>