تَسَلْسُلِ الْحَوَادِثِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ دَوَامِ فَاعِلِيَّةِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَهُوَ لَمْ يَزَلْ رَبًّا قَادِرًا فَعَّالًا لِمَا يُرِيدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا. وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ لِذَاتِهِ، ثُمَّ يَنْقَلِبُ فَيَصِيرُ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ، مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ، وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ حَدٌّ مَحْدُودٌ حَتَّى يَصِيرَ الْفِعْلُ مُمْكِنًا لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَدِّ، وَيَكُونُ قَبْلَهُ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ. فَهَذَا الْقَوْلُ تَصَوُّرُهُ كَافٍ فِي الْجَزْمِ بِفَسَادِهِ. فَأَمَّا أَبَدِيَّةُ الْجَنَّةِ، وَأَنَّهَا لَا تَفْنَى وَلَا تَبِيدُ، فَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هُودٍ: ١٠٨] أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: ١٠٨] .
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ: فَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِلَّا مُدَّةَ مُكْثِهِمْ فِي النَّارِ، وَهَذَا يَكُونُ لِمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ إِلَى النَّارِ ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهَا، لَا لِكُلِّهِمْ. وَقِيلَ: إِلَّا مَدَّةَ مُقَامِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ. وَقِيلَ: إِلَّا مُدَّةَ مُقَامِهِمْ فِي الْقُبُورِ وَالْمَوْقِفِ.
وَقِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءُ اسْتَثْنَاهُ الرَّبُّ وَلَا يَفْعَلُهُ، كَمَا تَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّكَ إِلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَنْتَ لَا تَرَاهُ، بَلْ تَجْزِمُ بِضَرْبِهِ.
وَقِيلَ: " إِلَّا " بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ النُّحَاةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَسِيبَوَيْهِ يَجْعَلُ " إِلَّا " بِمَعْنَى لَكِنْ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، وَرَجَّحَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا خُلْفَ لِوَعْدِهِ، وَقَدْ وَصَلَ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute