{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء: ٦١] فَجَعَلَ الْإِعْرَاضَ عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَالِالْتِفَاتَ إِلَى غَيْرِهِ هُوَ حَقِيقَةَ النِّفَاقِ كَمَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ هُوَ تَحْكِيمُهُ وَارْتِفَاعُ الْحَرَجِ عَنِ الصُّدُودِ بِحُكْمِهِ وَالتَّسْلِيمُ لِمَا حَكَمَ بِهِ رِضًى وَاخْتِيَارًا وَمَحَبَّةً، فَهَذَا حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ، وَذَلِكَ الْإِعْرَاضُ حَقِيقَةُ النِّفَاقِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ عُقُوبَةِ الْمُعْرِضِينَ عَنِ التَّحَاكُمِ إِلَيْهِ الرَّاضِينَ بِحُكْمِ الْغَيْرِ مِنْ خَلْقِهِ فِي قَوْلِهِ: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: ٦٢] فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذَا الْإِعْرَاضَ عَنِ التَّحَاكُمِ إِلَيْهِ سَبَبٌ لِأَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣] وَقَالَ فِي الْمُتَوَلِّينَ عَنْ حُكْمِهِ {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: ٤٩] .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ كَذَا وَكَذَا، فَغَضِبَ سَعِيدٌ وَقَالَ: لَا أَرَاكَ تُعَرِّضُ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْكَ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا إِنْكَارُهُمْ عَلَى مَنْ عَارَضَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فَمَاذَا تَرَاهُمْ قَائِلِينَ لِمَنْ عَارَضَهَا بِآرَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَمَنْطِقِ الْمُتَفَلْسِفِينَ وَأَقْيِسَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَخَيَالَاتِ الْمُتَصَوِّفِينَ، وَسِيَاسَاتِ الْمُعْتَدِينَ؟
وَلِلَّهِ بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ حَيْثُ يَقُولُ: ثَلَاثٌ لَا يُقْبَلُ مَعَهُنَّ عَمَلٌ: الشِّرْكُ، وَالْكُفْرُ، وَالرَّأْيُ، قُلْتُ: يَا أَبَا عُمَرَ وَمَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: يَتْرُكُ سُنَّةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَقُولُ بِالرَّأْيِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: ٣٠] قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute