ومن الطبيعي أن يلحق بمحتوى الرسالة العناية بـ"اللغة" التي تحمل هذا المحتوى وتنقل معانيه إلى الآخرين. وتنفرد الرسالة الإسلامية في هذا المجال في أن شيوع اللغة العربية، والارتقاء بدراستها بين -المؤمنين- بهذه الرسالة أمر ترتقي ضرورته إلى مستوى الرسالة نفسها؛ لأن اتقان اللغة العربية هو وحده الذي يمكن المؤمنين في أي مكان، وزمان من قراءة -اللغة الإلهية- في القرآن الكريم، وقراءة النصوص الأصلية للحديث النبوي، واستخراج حاجات العصر بما يحقق المعاصرة والواقعية والأصالة. ولن تغني الترجمات عن العربية بحال من الأحوال -إلا على سبيل الضرورة المؤقتة- لأن المترجم مهما ارتقى فكره وآداؤه اللغوي -إنما يقدم لقارئيه- فهمه للإسلام -وليس الإسلام نفسه. وكذلك "الفقيه" يقدم لقارئيه فهمه للإسلام، وليس الإسلام نفسه. والوقوف عند فهم الآخرين أمر له خطورته في الفصل بين المسلم، وبين القرآن وفي جمود الحضارة والاجتماع.
ويقدم لنا التاريخ الإسلامي الأدلة الوافرة الكافية على أن انتشار اللغة العربية في الأقطار المفتوحة قد أسهم إلى حد كبير في فقه الرسالة نفسها، وتطوير "ثقافة" إسلامية مشتركة شكل إحدى روابط الأمة الفرعية، ودعمت العناصر الرئيسية للأمة وقوتها، وشدتها بعضها إلى بعض وحين انحسرت اللغة العربية من أقطار الإسلام -الواقعة خارج المنطقة العربية- انقطعت شعوب هذه الأقطار عن الاتصال المباشر بالقرآن والسنة، وانحسرت الثقافة الإسلامية المشتركة، وفتح الطريق لعودة "الثقافات" المحلية القديمة غير الإسلامية بقيمها وتقاليدها، وتطبيقاتها المختلفة.
والأمر الثاني، أن تعمق التربية الإسلامية في نفوس -المتعلمين- الشعور بالمسئولية إزاء الرسالة، وأهمية العمل الجماعي وعدم الاكتفاء بالتدين الفردي، وأن تنمي فيهم القدرات العقلية، والمهارات العملية اللازمة لحمل هذه الرسالة وتحويلها إلى ممارسات وتطبيقات ناجحة. ولا بد هنا من الانتباه إلى التراث التربوي الذي انحدر من التاريخ الإسلامي وتسلمته