بصراحة دور إبليس في إغواء آدم وزوجه، وسعيه الجاد لدفعهما ليأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها إلا أن آدم، وزوجه حملا نفسيهما مسئولية المعصية التي حدثت، ولم ينسبا ذلك إلى الشيطان الذي أغواهما بذلك وحسنه لهما. وفي ذلك توجيه لذرية آدم وحواء، ليتخذوا من النقد الذاتي منهجا في تقويم الآثار السلبية التي تنتج عن الممارسات الخاطئة:
كذلك توجه القصة إلى أن التفكير التبريري ونسبة الأخطاء إلى الغير هما منهج تفكير إبليسي رائده إبليس نفسه، حين نسب الإغواء إلى الله -مع إن شيئا من ذلك لم يحدث- وإنما كان سبب معصية إبليس ما اتصف به من حسد لآدم، واعتزاز بالأصل وتفاخر في المنشأ.
والواقع أن التحليل الدقئق للأخطاء التي تقع أو المصائب التي تنزل بوضح إن هذه الأخطاء، والمصائب هي مسئولية من تنزل به؛ لأن المصيبة هي وليد يولد من تزاوج قوة مع ضعف كما يولود الطفل من تزواج ذكر مع أنثى. ولا يمكن بحال أن تولد مصيبة من التقاء قوة بقوة.
فالمصائب التي تنزل سببها تزواج ضعف من نزلت به مع قوة من تسبب بها. ولو أن من نزلت به المصيبة كان مبرأ من الضعف لأوقفت قوته قوة المسبب وأبطلت فاعليتها. ولذلك يحاسب الله الضعفاء والمستضعفين كما يحاسب الأقوياء المعتدين، ويعتبر كلا منهما ظالما: هذا ظالم لنفسه إذ لم يسلحها بالقوة، ويستعمل طاقاتها وإمكاناتها لدفع العدوان الذي نزل بها، وذلك ظالم للناس إذ استعمل قوته للعدوان، ونصرة الباطل بدل أن يستعملها لنصرة الحق.