ولو كانت الحجة لا تثبت إلا بإقرار الخصم أو سكوته، لم ينتف أبدًا إلا حِسِّيَتُهُ؛ لأن الكلام واسع واللسان رطب، وقد رأيت من الناس من لا يسكت؛ وقد أسكته الحق، ولا ينقطع؛ وقد قطعته الحجة، ورُبَّ كلامٍ أبلغ منه العي، وقول أحسن منه الانقطاع، وإنما يكفيك من الكلام أن تخرج خصمك عن ما عرف الناس، وعما جُبِلُوا عليه، فإذا بلغ هذه الغاية، فأمسك عنه فلا تزد عليه، فإن الزائد فيما لا مزيد فيه؛ متعرض للخطأ بعد الصواب، ومساو للخصماء شرهُ الشتم، وسوء الأدب بعد الظهور، وليس يجوز الكذب على الأخبار تأتيه [عن]: موسى وعيسى وأعلامهما؛ لأنهما خبر قرن عن قرون وأمم مختلفة في الدين، عن أمم مختلفة، ولو جاز أن يكون مثله باطلًا لجاز أن يقولوا في نبينا مثله، وأن يقولوا في القائمين بعده، وأن يكون المولود في زمن المعتصم، يشك في المنصور، والمشاهد لخلافة ولد العباس، يشك في خلافة بني أمية، وهذا وأشباهه من الأمور التي تقدمتنا، توحش السامع لقدم العهد، ولا فرق بينها وبين الأمم الأول؛ لأنها كلها أخبار قرن عن قرن، إلا أن القرن قل عددها في واحد وكثر في آخر.
وأما قولهم: أن ما في الكتب من ذكر نبي متقدم لآخر بعده مزيد. فمن الزائدون؟ أهل الكتاب الزائدون، وهذا يستحيل لأن اليهود أعداء النصارى، ويكذِّبون بنبوة المسيح، والنصارى أعداء المسلمين، ويُكذِّبون بنبوة محمد، فكيف يزيدون في كتبهم ذكر أنبياء هم لهم جاحدون؟ وكانوا لحذف الذكر وبعض المدح والثناء أجدر؛ لو وجدوا