ونحو هذا يقول: وما منعنا أن نأتيهم بهذه الآيات التي سألوا أن تأتيهم بها؛ إلا أن الأولين سألوا مثل ذلك أنبياءهم، بما سألوا فكذبوا به فأهلكناهم، يدلك على ذلك قول المسيح - عليه السلام -: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: ١١٤، ١١٥].
وهذه رحمة من الله لهذه الأمة وإمهال ونَظِرة، ولو لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بآيات تدل على نبوته كما قالوا، لقد كان في انقياد الناس له، واتباعهم إياه، وبذلهم مهجهم له وأموالهم دونه، ومفارقتهم للْأوطان، وهجرتهم مرة بعد مرة إلى أرض الحبشة وإلى المدينة، واحتمالهم كل الأذى في نصرته وطاعته، وهو إذ ذاك لا مال له، فلا دنيا معه حتى قهر الأمم وأذل الرقاب، وظهرت دعوته وعلت كلمته، وبلغت مشارق الأرض