للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومر المسيح بشمعون الصفا وأخيه أبناريوس الحوارييين؛ وهما يصيدان السمك في البحر فقال لهما: «لتتبعاني أجعلكم تصيدان الناس»، فرفضا شباكهم، واتبعاه من ساعتهما ولم يسألانه آية، ولا اتبعاه عليها.

ولا شيء أعجب عندي من تصديق النصاري بنبوة مريم وحنا؛ وهما امرأتان بلا كتاب ولا آية ولا دليل! وكفرهم بنبوة محمد. ولو قلنا لهذه الزنادقة المكذبة للرسل أين علمتم علمًا يقينًا لا شك فيه أن الله لم يبعث رسولًا إلى خلقه، يهديهم به إلى رضاه وطاعته، ويكُفُّهم عن مساخطه ومعصيته، ويرشدهم إلى ما فيه صلاح شؤونهم، وحقن دماؤهم، وصون حرمهم، وردع قويهم عن ضعيفهم، وأن الحكمة كانت عندكم. والصواب أن يتركهم سدى يتغاورون، ويسفكون الدماء، ويتهارجون تهارج البهائم؛ حتى لا يرعى ابن لأب، ولا أخ لأخ، ويأكل الكثير القليل، ويبتزُّ العزيز الذليل، لم يرجعوا في ذلك إلى وثيقة ولا إلى يقين وحجة؛ وإنما هو استطابة الإهمال، وركوب الفواحش، وترك الفرائض، وإرسال التشريع للهوى، ولولا دفع الله عنهم من لا يرى مثل رأيهم؛ لعرفوا عيانًا سوء ما اختاروا، وليس الخبر كالعيان، ولا من سمع بالأمر كمن وقع فيه.

وكذلك لو قلنا لأهل الكتاب: من أين علمتم علمًا يقينًا لا شك فيه أن محمدًا غير منعوت؛ مع هذه الأنباء وهذا الظهور؛ أبقول موسى، أو قول داود، أو قول أشعيا، سيأتيكم رجل يدعي النبوة، يقال له: محمد فارفضوه ولا تصدقوه، لم يرجعوا في ذلك إلى علم بخبر أحد من هؤلاء الأنبياء ولا غيرهم، وإذا كان ذلك لا يوجد، فهل محمد إلا كنبي منهم؟

<<  <   >  >>