للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد حكى القاضي عياض في الإكمال عن مالك وغيره: أن المرأة إذا رمت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة لا يجب عليها الحد. قال: واحتج لذلك بقوله : "وما تدرى الغيراء أعلى الوادى من أسفله" (١).

وقد روى البخارى في مناقب عمر أَنه أَرسل في مرض موته ابنه عبد الله إلى عائشة: "أن عمر يقرئك السلام ويستأذنك أن يدفن مع صاحبيه" فقالت عائشة: "لقد كنت أردته لنفسى ولأوثرنَّه اليوم على نفسى (٢).

وقد استشكل ذلك بأن الإيثار بالقبر من خلاف شيم الصالحين كمن يؤثر بالصف الأول ويتأخر هو.

وأجاب بعضهم بأن الميت ينقطع عمله بموته فلا يتصور الإيثار بالقربة بعد الموت ولا تَقَرُّب بما هو المنع، إنما هذا إيثار فيه بالإيثار به قربة إلى الله، فُهِمَتْ بقرينة الحال من الحديث المشهور أنها رأت أن (٣): [ثلاثة أقمار هوين


(١) مصنف عبد الرزاق (٧/ ٣٠٠) باب الغيرة.
عن ابن جريج عن الحسن أن امرأة وجدت زوجها على جارية لها، فغارت، فانطلقت إلى النبي ، واتبعها حتى أدركها، فقالت: إنها زنت، فقال: كذبت يا رسول الله، ولكنها كان من أمرها كذا وكذا، وأخذت بلحيته، فانتهرها النبي ، فأرسلته فقال: ما تدرى الآن أعلى الوادى من أسفله رقم: (١٣٢٦٤) وهذا مرسل.
(٢) خ: (٣/ ٢٠) (٦٢) كتاب فضائل الصحابة - (٨) باب قصة البيعة.
من طريق أبي عوانة، عن حصين، عن عمرو بن ميمون قال رأيت عمر بن الخطاب .. فذكره في حديث طويل. رقم (٣٧٠٠).
وقد رواه أيضًا في كتاب الجنائز رقم: (١٣٩٢)
(٣) الخطوط متشابكة كما نبه الأستاذ سعيد الأفعانى، ولكن خلاصة ما يفهم من قوله أنها لا تفوت عليها فائدة بهذا الإيثار؛ لأنه يكون بعد الموت، ولا عمل بعد الموت.
ولكن القسطلانى نقل عن ابن المنير إجابة أخرى، وهى "أن الحظوظ المستحقة بالسوابق ينبغى فيها إيثار أهل الفضل، فلما علمت عائشة فضل عمر آثرته، كما ينبغى لصاحب المنزل إذا كان مفضولًا أن يؤثر بفضل الإمامة من هو أفضل منه إذا حضر منزله، وإن كان الحق لصاحب المنزل" (إرشاد السارى ٢/ ٤٧٨).