للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يعرفه بعينه واسمه ونسبه، قال: لأن أبا موسى محمد بن المثنى حدَّثنا عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قَتادةَ عن عبد الله بن شقيق قال: "أَتيت المدينة فإذا رجل قائم على غرائر سود يقول: ألا ليبشر أصحاب الكنوز بِكَيٍّ في الحَياة والممات، فقالوا: هذا أبو ذر" فكأنه لا يثبته ولا يعلم أنه أبو ذر (١).

وقال بعض العلماء في هذا الحديث (٢): قد أجمعنا على أنه ليس بنور، وخطأنا المجوس في قولهم: هو نور، والأنوار أجسام والبارى سبحانه ليس بجسم. والمراد بهذا الحديث أن حجابه النور، وكذلك روى في حديث أَبي موسى، فالمعنى: كيف أَراه وحجابه النور؟ ومن أثبت رؤْية النبي ربه فإنما يثبت ليلة المعراج، وأسلم أبو ذر بمكة قادمًا قبل المعراج، ثم رجع إلى بلاد قومه فأَقام بها حتى مضت بدر وأُحُد والخندق، ثم قدم المدينة بعد ذلك، فيحتمل أنه سأل النبي وقت إسلامه: "هل رأيت ربك"؟ وما كان عُرج به بعد، فقال: "نور، أَنَّى أَراه"؟

أي النور يمنع من رؤيته. وقد قال بعد المعراج في رواية ابن عباس: "رأيت ربى" (٣) ا. هـ.

وهذا ضعيف؛ فإن عائشة أُم المؤمنين قد سألت عن ذلك بعد الإسراء، ولم يثبت لها الرؤية. وأَما قول الإمام أحمد: "ما زلت منكرًا لهذا الحديث وما أدرى ما وجهه" (٤) فقال بعض الأئمة: لا نعرف معنى هذا الإنكار، وقد صح ذلك عن أَبي ذر وغيره.

وللكلام على الحديث موضع آخر قد بسطته فيه، ورددت ما حرَّفه بعض النقَلَة في لفظه، والله أعلم (٥).


(١) كتاب التوحيد. (ص: ١٣٥)
(٢) ذكر ذلك ابن الجوزى في كشف المشكل من حديث الصحيحين: (١/ ٣٧٢ - ٣٧٣)
(٣) المصدر السابق: (٢/ ٣٧٢ - ٣٧٣)
(٤) حكاه ابن الجوزى عن أبي بكر الخلال في كتاب العلل (كشف المشكل ١/ ٣٧١ - ٣٧٢)
(٥) انظر توثيق عائشة للسنة، ص: (١٣١ - ١٣٤).