مسألة النزول على غير ماء بدر، حين قال الصحابة رضي الله عنهم:«أهو الرأي أو هو من الله؟ فقال: هذا هو الرأي، قالوا: لا، الرأي أن ننزل على الماء» ، وهذا يبين أنه أمر اجتهادي.
فالأمور التي فيها مجال للاجتهاد ومنها تأبير النخل يمكن أن يقول فيها باجتهاده، فإذا أخطأ قال:«أنتم أعلم بأمور دنياكم» ، والأمور التي لا مجال لمثله للاجتهاد فيها يتبين لنا أنها وحي من الله، ويؤيد هذا التعليل أنه صلى الله عليه وسلم أمي ولا عهد لأمته بالطب الذي من هذا الجنس ولا تجارب عندهم في هذا، وخوضه فيه لا يليق برسالته؛ لأنه يكون مجازفا بنى شيئا على غير تجربة، ولا مجال لأمثاله في أن يجرب في مثل هذا، ثم قال صلى الله عليه وسلم:«فإن أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» وهذا أمر لا يعلم إلا عن طريق تحليل جناح الذباب، فمن أجل هذا قلت: إن هذا وحي من السماء.
أما مسألة تأبير النخل في الحديث المذكور، ففيها نوع من الاجتهاد قد أخطأ فيه صلى الله عليه وسلم، فهو قد يخطئ في الأمور الاجتهادية من شئون الدنيا، ويهيئ الله له من يتكلم معه ويناقشه فيرجع عن خطئه إلى ما هم عليه من صواب، فمن أجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم:«أنتم أعلم بأمور دنياكم» وهذا في الأمور التي تكتسب بالخبرة وغيرها.
ومن جهة أخرى مسألة الذباب لم ينته الأطباء وأهل الاختصاص فيها إلى رأي واحد، بل ما زالت إلى اليوم محل بحث ومحل تجربة، وأكثر ما فيها الاستقذار، وسقوط الذباب على الأوساخ وعلى الأذى، وأن النفس تعاف الطعام أو الشراب الذي سقط فيه وقد قلنا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم