لا يبعد في نظر العقل، ولا يستحيل في تقدير الفكر أن يختص واهب النعم ومفيض الخير -سبحانه- بعض عباده بسعة في الفكر، ورحابة الصدر، وحسن قيادة، وكمال صبر، وسلامة في الأخلاق؛ ليعدهم بذلك لتحمل أعباء الرسالة، ويكشف لهم عما أخفاه عن غيرهم، ويوحي إليهم بما فيه سعادة الخلق وصلاح الكون رحمة للعالمين، وإعذارا إلى الكافرين، وإقامة للحجة على الناس أجمعين، فإنه -سبحانه- بيده ملكوت كل شيء وهو الفاعل المختار، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وهو على كل شيء قدير.
وآية ذلك: أنا نشاهد أن الله سبحانه خلق عباده على طرائق شتى في أفكارهم ومذاهب متباينة في مداركهم، فمنهم من سما عقله واتسعت مداركه واطلع من الكون على كثير من أسراره، حتى وصل بما منحه الله من ثاقب الفكر، ويسر له من التجارب إلى أن اخترع للناس ما رفع إليه من أجله أولو الألباب رؤوسهم إعجابا به، وشهادة له بالمهارة، وأنكره عليه صغار العقول، وعدوه شعوذة وكهانة أو ضربا من ضروب السحر، ولم يزالوا كذلك حتى استبان لهم بعد طوال العهد ومر الأزمان ما كان قد خفي عليهم فأذعنوا له وأيقنوا بما كانوا به يكذبون.
ومنهم من ضعف عقله، وضاقت مداركه فعميت عليه الحقائق واشتبه عليه الواضح منها، فأنكرت البديهيات، ورد الآيات البينات، ومنهم من انتهى به انحراف مزاجه واضطراب تفكيره إلى أن أنكر ما تدركه الحواس كطوائف