٦ - معجزات الأنبياء لا تنحصر فيما تحدى به كل نبي قومه
وليست معجزات موسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام قاصرة على ما ذكر، وإنما ذلك بيان لما تحدى به كل منهم قومه، وجعله قاعدة يبني عليها دعوته، ويثبت بها شريعته وإلا فلهؤلاء وغيرهم من الأنبياء كثير من الآيات البينات، والدلائل الواضحات التي دلت على صدقهم سوى ما تحدى به كل نبي قومه، منها ما يرجع إلى سيرتهم قبل الرسالة، فإن الله قد أعدهم لتحمل أعباء رسالته، ومنها ما يرجع إلى ثبات جأشهم وقوة بأسهم في مقام الدعوة والجهاد في سبيل الله نصرة للحق ونشرا له بأنفسهم، وبمن آمن معهم، وهم الأقل عددا والأضعف جاها، مع غنى خصومهم وكثرة عددهم وعددهم وقوة سلطانهم، إلى غير ذلك مما يدل على صدق الداعي في دعوته، وكمال يقينه بها، ومنها ما يرجع إلى سلامة الشريعة التي يدعون إليها، وحكمتهم في حمل الناس عليها، وقوة حجاجهم في الدفاع عنها، وما شوهد من آثارهم في صلاح من اهتدى بها من الأمم في الدولة والسياسة والاجتماع والاقتصاد والحرب وغير ذلك من أحوال الشعوب، حتى إذا حرفوها عن مواضعها وتأولوها على غير وجهها أو أعرضوا عنها وتركوا العمل بها دالت دولهم وساءت حالهم، فإن العاقبة للمتقين، والخيبة والخسران على المفسدين.
ومن ذلك يتبين أن الرسالة ليست شعوذة ولا كهانة، فإن الرسل عرفوا بالصدق والأمانة، والشياطين إنما تنزل على من يجانسهم في الكذب والافتراء والإفك والبهتان، قال تعالى:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} ، ولو لمست الشياطين السماء استراقا للسمع أو طلبا للوحي ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، قال تعالى في شأن القرآن: