[حصول الثقة واليقين في نفوس المكلفين بمصدر الشريعة وتبلغها]
أضف إلى ذلك أن ثبوت الشريعة في ذاتها عند المكلفين، والإيمان بها يتوقف على معرفة مصدرها والثقة بطريق بلاغها، فيجب إذن على العباد أن يعلموا أولا أن لهم ربا خلاقا عليما حكيما، بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجعون، إلى غير ذلك مما تفرد به من صفات الربوبية، ويؤديها على وجهها استمدادا لفضل الله ورحمته، ودفعا للتي استوجبت إخلاص العبادة منه ليسلموا وجوههم إليه كونا وشرعا، ويعبدوه مخلصين له الدين رغبة ورهبة، وأن يعلموا ثانيا أنه تعالى يرسل رسله ليبلغوا عنه شريعته رحمة منه وفضلا، ويؤيدهم بالمعجزات، ويعصمهم في البلاغ حكمة منه وعدلا ليميز الكاذب من الصادق والمبطل من المحق، فيثق العباد بشريعة ربهم، ويأمنوا عليها من الدخل والافتراء، وتقوم عليهم بها الحجة، قال تعالى:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} .
لهذا بدأت الرسل دعوتها بالتوحيد، وإثبات الرسالة والجزاء يوم المعاد، فجرت على موجب العقل ومقتضى الفطرة، وكان لزاما على الدعاة أن يبدءوا بما بدأ به الرسل، ويتبعوا ذلك القول في الفروع وتفاصليها وكل ما يكمل الأصول ويحمي حماها حسب الأهمية وما يشعر به الدعاة من حاجة المدعوين شعوبا وأفرادا.
طريقة الرسل في إثبات وجود الله وتوحيده
لقد سلكت الرسل في إثبات وجود الله وتوحيده وصدقهم في دعوى الرسالة وخبرهم عن اليوم الآخر مسلك الإقناع بالحجة والبرهان، وضرب الأمثال، وجمعت في ذلك بين مناجاة العقل والتأثير على العاطفة والتذكير بما