يرونها، وإنزاله الأمطار من السماء ليحيي به الأرض بعد موتها ويخرج بها من الثمرات رزقا لعباده بابا إلى توحيد الإلهية، وآية بينة على استحقاقه وحده العبادة، وهذا هو الطريق الفطري في الحجاج، أعني الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية؛ فإن قلب الإنسان يتعلق أولا بمصدر خلقه ومنشأ نفعه وضره، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الوسائل التي تقرب إليه وترضيه عنه وتوثق صلته به.
فتوحيد الربوبية باب إلى توحيد الإلهية، ومن أجل ذلك احتج الله به على المشركين وقررهم به وأرشد إليه رسله وأمرهم أن يدعوا به أممهم، قال تعالى:{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} .
فاستدل بتفرده بالربوبية وكمال التصرف وحمايته ما يريد أن يحميه على استحقاقه وحده العبادة ووجوب تفرده بالإلهية.
وهذا النوع من التوحيد هو المقصود الأهم من بعثة الرسل وإنزال الكتب وهو الذي بدأت به الرسل دعوتها، ووقعت فيه الخصومة بين الرسل وأممهم، وهو الذي شرع من أجله الجهاد، وقامت الحرب على ساقها بين الموحدين والمشركين.
وقال تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فأخبر أن البعث آت لا محالة، ونزه نفسه عما زعمه المشركون من الشركاء، ثم استدل على ذلك بآياته الكونية، فقال:{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}