الأفعال الاختيارية منها ما تحمد عاقبته، فيجمل بالعاقل فعله والحرص عليه، ولو ناله في سبيل تحصيله حرج ومشقة، وأصابه منه في عاجل أمره كثير من الآلام، ومنها ما تسوء مغبته، فيجدر بالعاقل أن يتماسك دونه، وأن يتنكب طريقه خشية شره، وطلبا للسلامة من ضره وإن كان فيه ما فيه من اللذات العاجلة التي تغري الإنسان بفعله، وتخدعه عما فيه سلامته.
غير أن العاقل قد يقصر في كثير من شئونه عن التمييز بين إدراك ما قصر عنه إدراكه، وقد يعجز كليا عن العلم بما يجب عليه علمه؛ لأنه ليس في محيط عقله، ولا دائرة فكره، مع ما في علمه به من صلاحه وسعادته، وذلك كمعرفته بالله واليوم الآخر والملائكة تفصيلا، فكان في ضرورة إلى من يهديه الطريق في أصول دينه، وقد يتردد في أمر إما لعارض هوى وشهوة أو لتزاحم الدواعي واختلافها، فيحتاج إلى من ينقذه من الحيرة، ويكشف له عن حجاب الضلالة بنور الهدى، فبان بذلك حاجة العالم إلى رسول يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويكلمهم بمعرفة ما قصرت عنه أفهامهم، ويوقفهم على حقيقة ما عجزوا عنه، ويدفع عنهم آلام الحيرة ومضرة الشكوك.
أضف إلى ذلك: أن تفاوت العقول وتباين الأفكار واختلاف الأغراض والمنازع ينشأ عنه تضارب الآراء وتناقض المذاهب، وذلك يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال والاعتداء على الأعراض وانتهاك الحرمات، وبالجملة ينتهي إلى تخريب وتدمير لا إلى تنظيم وحسن تدبير، ولا يرتفع ذلك إلا برسول يأتي بفصل الخطاب، ويقيم الحجة، ويوضح المحجة، وينشر العدل، فاقتضت حكمة الله أن يرسل الرسل، وينزل الكتب رحمة بعباده وإقامة للعدل بينهم، وتبصيرا لهم بما يجب عليهم من حقوق خالقهم، وإعانة لهم على أنفسهم، وإعذارا إليهم؛ فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل