جبلت عليه النفوس، وفطر عليه الخلق من الإقرار بالحق، والميل إلى العدل والإنصاف، مع لين الجانب، والرفق في الخطاب، والصفح الجميل في غير ذلة ولا مواربة أو مداهنة في الحق، فلا عنت في القول ولا تعسف، ولا فرض لحكم على الأمة دون بينة من الله وسلطان.
ففي إثبات وجود الله: اكتفوا في الاستدلال عليه بالإشارة مع دقة المأخذ وسهولة العبارة، لقلة من أنكر وجوده تعالى ممن مسخت فطرهم، ووضح للعقلاء جهلهم ومجافاتهم الحق وتنكبهم طريق الصواب، قال تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ} ، فأنكر تعالى أن يكونوا خلقوا بلا خالق؛ ضرورة أن الأثر يحتاج في حدوثه إلى مؤثر كما شهد بذلك العقل والفطرة والحس، وأنكر أن يكونوا خالقين لأنفسهم لما يلزمه من التناقض، وأنكر أن يكونوا خالقين للسماوات والأرض؛ لشهادة تاريخ وجود الأمم والكونيات الأخرى بأن خلق السماوات والأرض قد كان قبل خلق ما بينهما من الإنس والجن ونحوهم، فكيف يخلق المتأخر في الوجود شيئا قد سبقه وتقدم عليه.
وقد أخذ جماعة من العلماء هذا الدليل الخبري العقلي، وأدخلوا عليه شيئا من التكلف والصناعة الكلامية فقالوا: إن نسبة المكن إلى طرفيه الوجود والعدم على السواء، فلو وجد بدون سبب خارج عن ذاته وحقيقته لزم ترجيح أحد المتساوين على الآخر بلا مرجح، ولو أوجد نفسه لزم مع ذلك أن يكون متقدما على نفسه.. باعتباره خالقا لها، متأخرا عنها باعتباره مخلوقا لها، وتقدم الشيء على نفسه وتأخرها عنها باطل بالضرورة، لما فيه من التناقض، ولا بد أيضا أن يكون واجب الوجود لذاته، مختلفا عن العالم في خواصه وصفاته