للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، ذلك ليصح أن يستند إليه العالم في وجوده بدءا ودواما؛ إذ لو كان مستحيلا لما صح أن يكون منه خلق أو تقدير؛ لأن المستحيل عدم محض وفاقد الشيء لا يعطيه، ولو كان ممكنا لافتقر إلى من يرجح وجوده على عدمه كما سبق بيانه، فإن استمرت الحاجة فاستند كل في حدوثه إلى نظير له من الممكنات؛ لزم إما الدور القبلي وإما التسلسل في المؤثرات، وكلاهما باطل باتفاق العقلاء.

وإذا انتفى عنه الإمكان والاستحالة ثبت له وجوب الوجود لذاته ضرورة؛ لأن أقسام الحكم العقلي ثلاثة: الوجوب، والإمكان، والاستحالة، وقد انتفى اثنان فتعين الثالث: وهو وجوب الوجود، قال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، وفي الحديث: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء» .

ومن نظر فيما ترشد إليه الآيات نظرا ثاقبا، وفكر فيما توحي به سنن الله في المخلوقات -من عجائب خلقها، وحسن تنسيقها، وشد أسرها- تفكيرا عميقا، وبحث في أحكامها وبديع صنعها بحثا بريئا من الهوى والحمية الجاهلية وأنصف مناظره من نفسه -فلم يمنعه من فهم ما عرض عليه من الحق والإذعان له كبر يرديه، ولا عناد يطغيه- اتضح له الهدى، واضطره ذلك أن يؤمن من أعماق قلبه بأن للعالم ربا خلاقا فاعلا مختارا حكيما في تدبيره وتقديره أحاط بكل شيء علما، وهو على كل شيء قدير.

ومع قيام الدليل ووضوح السبيل تعامى بعض الناس عن الحق، ومن أولئك: فرعون موسى، فإنه أنكر بلسانه ما تيقنت به نفسه، فأقام موسى عليه

<<  <   >  >>