الحجة بدلالة الأثر على المؤثر، والصنعة على الصانع -فوجود الخلق وعظم شأنه دليل على وجود الخالق وعظم قدرته وقدره وسعة علمه وكمال حكمته- فألقمه الحجر.
وذلك بين فيما حكاه الله عنهما من الحوار والسؤال والجواب، قال تعالى:{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} .
فانظر كيف وقف موسى موقف من يصدع بالحق ويقيم عليه الحجة والبرهان، وكيف وقف فرعون من موسى موقف السفهاء لا يملك إلا الشتم والسباب، والسخرية، والاستهزاء، والتهديد بأليم العذاب، وقال تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} ، وقال تعالى:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} فبين تعالى أنه آتى موسى الآيات البينات التي تنير البصائر، وتجلو الشكوك، وأن موسى ثبت في ميدان الدعوة ثبات مؤمن بما جاء به موقن بنصر ربه، فلم يرهبه جبروت فرعون ولم يأخذ من نفسه مأخذا مع وحدته وضعف قومه.
أما فرعون فقد بهرته الآيات، وأخذت عليه صولة الحق الطريق فلم يجد لديه سلاحا يحفظ به ملكه في زعمه، ويدافع به عن باطله إلا الخداع والتمويه