جمهور العلماء بالجهل والسفاهة، وتحريف النصوص الصحيحة عن مواضعها، ولا يكون لهم وجه يعتمدون عليه فيما ذهبوا إليه، قيل: ليس الأمر كذلك، فإن الذين يصرحون بأن خالق العالم شيء موجود خارج الأذهان لكنه ليس فوق العالم، وأنه ليس مباينا للعالم ولا داخلا فيه طائفة من النظار، وأول من ابتدع ذلك في الإسلام الجعد بن درهم، وتبعه في التحريف والتعطيل الجهم بن صفوان، فقام هو وأتباعه بنشر هذه البدعة بين الناس، وهم مسبقون بإجماع الصحابة والتابعين وأئمة التفسير والفقه والحديث على إجراء النصوص كما جاءت، وإمرارها على ظواهرها إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، عملا بقوله تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ، وقوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
وقد شهدت بذلك الفطر السليمة أيضا، فإن الخلق جمعيا يرفعون أكفهم إلى السماء عند الدعاء بمقتضى فطرهم وبدافع قوي من طباعهم التي لم يداخلها إلحاد، ولم ينحرف بها عن جادة الحق تمويه ولا تلبيس، ويقصدون جهة العلو بقلوب كلها خشوع وضراعة إلى الله راجين أن يتقبل أعمالهم، ويستجيب دعاءهم، ويسبغ عليهم نعمه، ويعمهم بفضله وإحسانه.
وقد ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس الأستاذ أبي المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين، وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان، فقال الشيخ أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة طلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة،