وقد يعبر بالخيرية بين الله وبين بعض خلقه إذا اقتضى المقام ذلك، كمقام الاحتجاج على من أشرك مع الله غيره، ودعوته إلى التوحيد، قال تعالى:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ} وقال حكاية لمقالة يوسف عليه السلام لصاحبيه في السجن، ودعوته إياهما إلى التوحيد:{يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} .
وقد دلت الأدلة العقلية على ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، من أن الله بائن من خلقه وأنه فوق عباده بنفسه، وبيان أن وجود الله إما أن يكون ذهنيا فقط، وإما أن يكون في خارج الأذهان فالأول ممنوع بإجماع، وإذا تعين أن يكون وجوده خارج الأذهان، فإما أن يكون عين العالم أو صفة قائمة بالعالم، وإما أن يكون قائما بنفسه بائنا من خلقه وكل من الأول والثاني ممنوع، فتعين أن يكون الله موجودا قائما بائنا من خلقه.
الاستدلال بالفطرة على أن الله فوق عباده:
وإذا ثبت ذلك كان سبحانه فوق عباده، مستويا على عرشه؛ لأن السفول صفة ذم لا تتضمن مدحا ولا ثناء فلا يليق بالله، والعلو صفة مدح وثناء وكمال لا نقص فيه ولا يستلزم نقصا، ولا يوجب محذورا، ولا يخالف كتابا ولا سنة ولا إجماعا، بل النصوص وإجماع السلف تثبت ذلك وتقتضيه، فوجب اعتقاده وإنكار التأويل وصرف النصوص عن ظواهرها، لكونه عين الباطل الذي لا تأتي به الشريعة ولا يراه عقل سليم، فإذا قيل: إن أكثر العقلاء يتأولون نصوص الاستواء والعلو والفوقية بالاستيلاء والقهر والغلبة، وبعلو القدر والمنزلة، وبالخيرية وكمال الفضل، فكان تأويلهم مقتضى العقل، إذا يبعد أن يرمي