للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«صريح في ذلك حيث قال لها: أين الله؟ وشهادته لها بالإيمان حينما أجابته بأن الله في السماء وشهدت له بالرسالة، فقال لسيدها: أعتقها فإنها مؤمنة» فهذا السؤال والإقرار والحكم بإيمان الجارية منه صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بربه، وأنصحهم لأمته، وأفصحهم بيانا عن المعنى الصحيح بلفظ لا يوهم باطلا بوجه من الوجود دليل على أن الله فوق السماء، وأنه فوق كل شيء بنفسه، والأدلة المتعلقة بعلو الله على خلقه كثيرة متنوعة، يؤيد بعضها بعضا، فمن رام أن يتأولها فقد رام باطلا ومن سلك طريق التأويل لهذه النصوص فقد فتح على نفسه باب شر لا يمكنه إغلاقه، فإنه يسلط على نفسه بذلك مسلك الباطنية الذين يتأولون نصوص الصلاة والزكاة والصيام وسائر فرائض الإسلام، وبهذا يعود الشرع كله مؤولا.

ومع هذا فقد تأول كثير من المتأخرين الفوقية في قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} بأنه تعالى خير من عباده، وأنه خير من العرش وأفضل منه، وهو كما ترى تأويل بعيد تنفر منه العقول الرشيدة، وتأباه الفطر السليمة، فإنه لا تمجيد لله في ذلك ولا تعظيم له بل هو تأويل سمج مرذول، فإنه يشبه قول القائل: الجبل أثقل من الحصى، ورسول الله أفضل من اليهود، والجوهرة فوق قشر البصل أو قشر السمك ونحو ذلك مما التفاوت فيه عظيم، ولا شك أن التفاوت بين الله وبين عباده أعظم، ولو أن هذا المتأول أثبت الفوقية مطلقا، فوقية الذات، وفوقية القهر والغلبة، وفوقية القدر والمنزلة لكان ذلك صوابا، لاتفاقه مع نصوص الكتاب والسنة مع عدم المحذور أما أن يحصر تأويله في نوع منها بلا دليل فذلك باطل.

<<  <   >  >>