الجواب: الرسول عليه الصلاة والسلام ليس برجل بدوي يخبط خبطا عشوائيا وهو أمي وأمته أمية فلا يمكن أن يتكلم بتخمين؛ فكونه يخبر بأن الذباب في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، لا يمكن أن يتكلم به عن طريق اجتهاد في أمر لا يعنيه وليس من شأنه، إنما يتكلم فيه عن وحي، ولذلك علل وقال:«في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» فالمسألة ليست مسألة اجتهاد، إنما هو وحي من الله، فمثله لا يمكن أن يدخل فيه باجتهاده، وهو أمي في أمة أمية يقول في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر دواء، وليس هناك من أمة العرب من يدري عن خواص الذباب ولا خواص ما في أجنحته، هذا لا يمكن أن يقوله رسول من عند نفسه في شأن من شئونه، إنما هو وحي من الله أوحى به إلى رسوله فتكلم به.
أما موضوع التلقيح فهم رجال نخل في بلاد العرب - وهم رجال التمور، وقد يدخل في مثل هذا باجتهاده، كما دخل في مسألة النزول في ميدان القتال واجتهد، ولما أراد أن يصطلح مع قريش والأحزاب لما جاءت إلى المدينة في غزوة الأحزاب، وأن يبرم معهم صلحا، وأن ينزل لهم عن بعض الشيء من ثمار المدينة فأبى الأنصار فرجع إلى رأي الأنصار الذي أشاروا به وكانت الحرب، هذا فيه مجال للاجتهاد فيمكن أن يقول فيه برأيه، ويمكن أن يظهر له خطؤه وأن يرجع عنه.
أما الذي لا يحق لمثله الدخول فيه أصلا هي الأمور الغيبية التي لا تدرك بالنظر والخبرة والاجتهاد وذلك مثل قوله:«في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» .
هذا لا يمكن أن يكون مما يدرك ويقال بالظن والاجتهاد، ولا يجترئ عليه وهو أمي، بل لا بد أن يكون بوحي من الله.